نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث ابن عباس: أنه بات عند ميمونة فاضطجعت في عرض

          992- (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبيُّ (عَنْ مَالِكٍ) الإمام، وفي رواية: <عن مالك بن أنس> (عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ) بإسكان الخاء المعجمة الأسدي (عَنْ كُرَيْبٍ) بضم الكاف وفتح الراء، ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني مولى ابن عبَّاس ☻ .
          (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ) ☻ (أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ) أمِّ المؤمنين (مَيْمُونَةَ وَهْيَ خَالَتُهُ) أخت أمِّه لُبابة، وزاد شريك بن أبي نَمِر عن كُريب عند مسلم: فرقبتُ رسول الله صلعم كيف يصلِّي، وزاد أبو عَوانة في «صحيحه» من هذا الوجه: بالليل.
          ولمسلم من طريق عطاء عن ابن عبَّاس ☻ قال: بعثني العبَّاس إلى النبيِّ صلعم ، / وزاد النسائيُّ من طريق حبيب بن أبي ثابت عن كُريب: في إبل أعطاه إياها من الصَّدقة.
          ولابن خزيمة من طريق طلحة بن نافع عنه: كان النبيُّ صلعم وعد العبَّاس ذوداً من الإبل، فبعثني إليه بعد العشاء وكان في بيت ميمونة.
          ولمحمَّد بن نصر في كتاب «قيام الليل»: من طريق محمَّد بن الوليد بن نُويفع عن كُريب من الزِّيادة فقال لي: يا بنيَّ بتِّ الليلةَ عندنا.
          وفي رواية حبيب بن أبي ثابت: فقلت: لا أنام حتَّى أنظر إلى ما يصنع؛ أي: في صلاة الليل، وفي رواية مسلم من طريق الضَّحاك بن عثمان عن مخرمة فقلت لميمونة: إذا قام رسول الله صلعم فأيقظني.
          (فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الوِسَادَةِ) وفي رواية محمد بن الوليد عند محمد بن نصر في كتاب «قيام الليل»: ((وسادة من أَدمٍ حشوها ليفٌ)).
          وفي رواية طلحة بن نافع عن ابن عباس ☻ : ثمَّ دخل مع امرأته في فراشها، وزاد: إنَّها كانت ليلتئذٍ حائضاً.
          وفي رواية شريك بن أبي نَمِر عن كُريب في «التفسير»: فتحدَّث رسول الله صلعم مع أهله ساعة [خ¦4569]، وقال ابن الأثير: الوسادة: المخدة، والجمع: الوسائد.
          وفي «المطالع»: وقد قالوا: أساد ووساد، والوساد: ما يتوسَّد إليه للنوم.
          وقال أبو الوليد: الظَّاهر أنَّه لم يكن عندهما فراش غيره، فلذلك باتوا جميعاً فيه، والعَرض _بفتح العين_ ضد الطول.
          وفي «المطالع»: وبعضهم: يضمها، والفتح أشهر وهو: الناحية والجانب، وقال ابن عبد البرِّ: وهي الفراش وشبهه.
          قال: وكان _والله أعلم_ مضطجعاً عند رِجْلِ رسول الله صلعم أو رأسه.
          (وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ) صلعم (حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ) صار (قَرِيباً مِنْهُ) أي: من الانتصاف، وجزم شريك بن أبي نَمِر في روايته: بثلث الليل الأخير [خ¦4569]، فيحمل على أنَّ الاستيقاظ وقع مرتين، ففي الأولى نظر إلى السَّماء ثمَّ تلا الآيات، ثمَّ عاد لمضجعه فنام، وفي الثانية: أعاد ذلك ثمَّ توضَّأ وصلَّى.
          وفي رواية الثوريِّ عن سلمة بن كُهيل عن كُريب في «الصحيحين»: «فقام من الليل فأتى حاجته، ثمَّ غسل وجهه ويديه ثمَّ نام، ثمَّ قام فأتى القربة»...، الحديث [خ¦6316].
          وفي رواية سعيد بن مسروق عن سلمة عند مسلم: «ثمَّ قام قومةً أخرى»، وعنده من رواية شعبة عن سلمة: «فبال» بدل «فأتى حاجته».
          (فَاسْتَيْقَظَ) صلعم (يَمْسَحُ النَّوْمَ) أي: أثره (عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ) خاتمة سورة (آلِ عِمْرَانَ) وهي قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:190] إلى آخر السورة.
          (ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ) أنَّثها باعتبار أنَّ الشنَّ في معنى القربة، وزاد محمد بن الوليد: ثمَّ استفرغ من الشنَّ في إناء.
          (فَتَوَضَّأَ) للتجديد لا للنوم؛ لأنَّه تنام عينه، ولا ينام قلبه (فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ) وفي رواية محمد بن الوليد وطلحة بن نافع: «فأسبغ الوضوء»، وفي رواية عمرو بن دينار عن كُريب: «فتوضأ وضوءاً ضعيفاً».
          ولمسلم من طريق عياض عن مخرمة: «فأسبغ الوضوء / ولم يمسَّ من الماء إلَّا قليلاً»، وزاد فيها: «فتسوك»، وفي رواية شريك عن كُريب: «فاستنَّ».
          (ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي) قال ابن عباس ☻ : (فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ) من الوضوء ومسح النوم عن الوجه، وقراءة الآيات وغير ذلك، أو هو محمولٌ على الأغلب (فَقُمْتُ) بالفاء، وفي رواية: <وقمت> بالواو.
          (إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا) بكسر المثناة الفوقية؛ أي: يدلكها لينبِّه أو لإظهار محبَّته.
          وزاد محمد بن الوليد في روايته: «فعرفت أنَّه إنَّما صنع ذلك ليؤنسني بيده في ظلمة الليل»، وفي رواية الضحاك بن عثمان: «فجعلته إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني».
          (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ) ست مرات (ثُمَّ أَوْتَرَ) وذلك يقتضي أنَّه صلَّى ثلاث عشرة ركعة، وصرَّح بذلك في رواية سلمة الآتية في «الدعوات» حيث قال: ((فتتامت)) [خ¦6316]، ولمسلم: ((فتكاملت صلاته ثلاث عشرة ركعة)).
          وظاهر هذا: أنَّه فصل بين كلِّ ركعتين، ووقع التصريح بذلك في رواية طلحة بن نافع حيث قال فيها: يسلِّم بين كلِّ ركعتين.
          ولمسلم من رواية عليِّ بن عبد الله بن عباس التصريح بالفصل أيضاً، وقد ورد عن ابن عبَّاس ☻ في هذا الباب أحاديث كثيرة بروايات مختلفة، وكذلك عن عائشة ♦.
          وقال الطحاويُّ: إذا جمعت معاني هذه الأحاديث تدلُّ على أنَّ وتره صلعم كان ثلاث ركعات.
          (ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) سنة الفجر.
          قال القاضي: وفيه أنَّ الاضطجاع كان قبل ركعتي الفجر، وفيه ردٌّ على الشافعيِّ في قوله؛ لأنَّه كان بعد ركعتي الفجر، وذهب مالك والجمهور: إلى أنَّه بدعة.
          (ثُمَّ خَرَجَ) من الحجرة الطيبة إلى المسجد (فَصَلَّى الصُّبْحَ) بالجماعة.