نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: إذا استكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها

          ░6▒ (باب: إِذَا اسْتُكْرِهَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا) بضم الفوقيّة وسكون الكاف وكسر الرّاء على البناء للمفعول (فَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا) أي: فلا يجبُ الحدّ عليها؛ لأنَّها مكرهة (لِقَوْلِهِ تَعَالَى) كذا في رواية أبي ذرٍّ، ويروى: <في قوله تعالى> والأُولى أصوب ({وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ}) أي: الفتيات ({فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:33]) أي: لهنَّ، كما في رواية عن ابن عباس، وفي قراءة ابن مسعودٍ وجابر وسعيد بن جبير: ▬من بعد إكراههنَّ لهنَّ غفورٌ رحيم↨ ونسب أيضاً لابن عبَّاس ☻ ، والمحفوظ عنه تفسيره بذلك، وجوَّز بعض المعربين أن يكون التَّقدير: لهم؛ أي: لمن وقع منه الإكراه إذا تاب، وضعف بكون الأصل عدم التَّقدير. وأُجيب: بأنَّه لا بدَّ من التَّقدير لأجل الشَّرط، واستشكل تعليقُ لهنَّ بالمغفرة؛ لأنَّ الَّتي تُكره غير آثمةٍ، وأُجيب: باحتمال أن يكون الإكراه المذكور كان دون ما اعتبر شرعاً، فربَّما قصرت عن الحدِّ الَّذي تُعْذَر به فتأثم، فيناسب تعليق المغفرة.
          وقال البيضاويُّ: الإكراه لا ينافي المؤاخذة، وقال الحافظ العَسقلانيّ: وذكر المغفرة والرَّحمة لا يستلزم تقدُّم الإثم، فهو كقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:145].
          وقال الطِّيبي: يُستفاد منه الوعيد للمكرهين لهنَّ، وفي ذكر المغفرة والرَّحمة تعريضٌ، وتقديره: انتهوا أيُّها المكرِهون فإنّهنَّ مع كونهنَّ مكرهات قد يؤاخذنَ لولا مغفرة الله ورحمته، فكيف بكم أنتم، ومناسبة الآية للتَّرجمة أنَّ في الآية دَلالةً على أن لا إثمَ على المكرَهة على الزِّنا فيلزم أن لا يجب عليها الحدّ.
          وفي «صحيح مسلم» عن جابرٍ ☺: أنَّ جاريةً لعبدِ الله بن أبي / يقال لها: مُسَيْكة، وأخرى يقال لها: أُميمة، وكان يكرههما على الزِّنا، فأنزلَ الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور:33] الآية، وقد تقدَّم شيءٌ من ذلك [خ¦37/20-3560].