نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: في بيع المكره ونحوه في الحق وغيره

          ░2▒ (باب: فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ) بضم الميم وفتح الراء، وهو: الَّذي يحمل على بيع الشَّيء شاء أو أبى (وَنَحْوِهِ) أي: المضطر (فِي الْحَقِّ) أي: في الماليَّات (وَغَيْرِهِ) أي: غير الحقِّ؛ أي: الجلاء _بالجيم_ أو المراد بالحقِّ الجلاء بغيره مثل الجنايات، أو المراد بالحقِّ الدين وبغيره ما عداه ممَّا يكون بيعه لازماً، أو المراد بقوله وغيره (الدَّين) فيكون من ذكر الخاصّ بعد العامّ.
          قال الخطَّابيّ: استدلَّ أبو عبد الله _يعني: البخاريّ_ بحديث أبي هريرة ☺ يعني المذكور في الباب [خ¦6944] على جواز بيع المكره، والحديث ببيع المضطر أشبه، فإنَّ المكره على البيعِ / شاء أو أبى؛ إذ اليهود لو لم يبيعوا أرضهم لم يُلزموا بذلك ولكنَّهم شحّوا على أموالهم فاختاروا بيعها فصاروا كأنَّهم اضطروا إلى بيعها كمَن رهقه دينٌ فاضطرَّ إلى بيع ماله فيكون جائزاً، ولو أكره عليه لم يجز.
          وقال الحافظ العَسقلانيّ: لم يقتصر البخاري في التَّرجمة على المكره وإنَّما قال: بيع المكره ونحوه في الحقِّ فدخل في ترجمة المضطرِّ، وكأنَّه أشار إلى الرَّدِّ على من لا يصحِّح بيعَ المضطر.
          وقوله: ولو أكره عليه لم يجز، مردودٌ؛ لأنَّه إكراه بحقٍّ، وكذا تعقَّبه الكرماني، وتوجيه كلام الخطَّابي أنَّه فرض كلامه في المضطر من حيث هو ولم يرد خصوص قصَّة اليهود، وقال ابنُ المُنيِّر: ترجم بالحقِّ وغيره، ولم يذكر إلَّا الشَّق الأول، ويجاب بأنَّ مراده بالحقِّ الدَّين وبغيره ما عداه ممَّا يعد بيعه لازماً؛ لأنَّ اليهودَ أكرهوا على بيع أموالهم لا لدينٍ عليهم.
          وأجاب الكرمانيُّ: بأنَّ المراد بالحقِّ الجلاء وبغيره الجنايات، أو المراد بقوله في الحقِّ الماليَّات وبقوله وغيره الجلاء.
          قال الحافظ العَسقلاني: ويحتمل أن يكون المراد بقوله: وغيره، الدَّين فيكون من ذكر الخاصِّ بعد العام، وإذا صحَّ البيع في الصُّورة المذكورة وهو سببٌ غير ماليٍّ فالبيع في الدَّين وهو سببٌ مالي أولى، وقد سبق الإشارة إلى ذلك كلِّه.