مصابيح الجامع الصحيح

{قل هو الله أحد}

          ░░░112▒▒▒ [و{قل هو الله أحد}]
          قوله: (يقال: لا ينون أحد) قرأ عبد الله وأبي (الله أحد) دون (قل)، وقراءة النبي صلعم أحد بغير قل، وقرأ الأعمش: قل هو الله الواحد، وقرأ العامة: بتنوين أحد، وهو الأصل، وزيد بن علي، وإبان بن عثمان، وابن إبي إسحاق، والحسن، وأبو السماك، وأبو عمرو في رواية عدد كبير بحذف التنوين لالتقاء الساكن كقوله:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه                     .........
          قوله: (لا ينون {أحد}): قال الكرمانيُّ: يعني: قد يحذف التنوين من {أحد} في حال الوصل؛ كما قال الشاعر:
فألفيته غير مستعتب                     ولا ذاكرًا لله إلا قليلا
          خاتمة: هذه السورة اشتملت على اسمين من أسمائه تعالى يتضمنان جميع أوصاف كماله، لم يوجدا في غيرها من جميع السور وهما: الأحد والصمد، فإنَّهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع صفات الكمال المعظمة، وبيانه:
          أنَّ الأحد والواحد وإن اجتمعا على أصل واحد لغة؛ فقد افترقا استعمالًا وحرفًا، وذلك من الهمزة المسببة عن (أحد) منقبلة عن الواو من (وحد)، فهما من الوحدة، وهي راجعة إلى نفي التعدد والكثرة، غير أنَّ استعمال العرب فيهما مختلف، فإنَّ الواحد عندهم أصل العدد من غير تعرض لنفي ما عداه، والأحد يثبت مدلوله، ويتعرض لنفي ما سواه، ولهذا أكثر ما استعملته العرب في النفي، فقالوا: ما فيها أحد، و{لم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص:4]، ولم يقولوا هنا: واحد، فإن أرادوا الإثبات؛ قالوا: رأيت واحدًا من الناس، ولم يقولوا هنا: أحدًا، وعلى هذا فالأحد في أسمائه تعالى مشعرٌ بوجوده الخاص به، الذي لا يشاركه فيه غيره، وهو المعبَّر عنه بوجود(1) الوجود، وربما عبر عنه بعض المتكلمين بأنَّه أخص وصفه.
          وأما الصَّمد؛ فهو المتضمن لجميع أوصاف الكمال، فإنَّ الصمد الذي انتهى سؤدده؛ بحيث يُصمَدُ إليه في الحوائج كلها؛ أي: يقصد، ولا يصح ذلك تحقيقًا إلا لمن حاز جميع خصال الكمال حقيقةً، وذلك لا يكمل إلا لله تعالى، فهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
          فقد ظهر لهذين الاسمين من شمول الدلالة على الله تعالى وصفاته ما ليس لغيرهما من الأسماء، وأنَّهما ليسا موجودين في شيء من سور القرآن.
          وذكر ابن الخطيب لهذه السورة عشرين اسمًا: سورة التفريد، التجريد، الإخلاص، النجاة، الولاية، النسبة؛ لأنَّها نزلت حين قالوا: انسب لنا ربك، المعرفة؛ لما روي أنَّه ◙ لما سمع قارئًا يقرؤها؛ [قال]: «هذا عبد عرف ربه»، الجمال، المقشقشة، المبرئة، المعوذة، الصمد، الأساس، المانعة، المحضرة؛ لأنَّ الملائكة تحضرها لسماعها، المنفرة؛ لأنَّ الشياطين تنفر عند قراءتها، البراءة، النور؛ في الحديث: «نور القرآن {قل هو الله أحد}»، الأمان.


[1] كذا في الأصل، ولعل الصواب: (بواجب).