مصابيح الجامع الصحيح

كتاب فضائل القرآن

           ░░66▒▒ (كتاب فضائل القرآن)
          أسند الثعلبيُّ عن أبي ذرٍّ ╩ عن النَّبيِّ صلعم قال: أنزلت صحف إبراهيم في ثلاثٍ مضين من رمضان، وأنزلت توراة موسى في ستِّ ليالٍ مضين من رمضان، وأنزل زبور داود في ثمان عشرة مضت من رمضان، وأنزل الفرقان على سيدنا صلى الله وسلم عليه وعليهم في الرابع / والعشرين من شهر رمضان.
          فإن كان المراد بنزول أول ما نزل منه؛ كان مؤيدًا لما ورد عن الشعبيِّ في قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} [القدر:1]: إنَّا ابتدأنا إنزال هذا القرآن إليك في ليلة القدر.
          ورُوي: أنَّ الملك جاء بالقرآن الذي أنزل أولًا في العشر الأواخر من رمضان، وليلة القدر على هذا ليلة أربع وعشرين، وبذلك قال جمعٌ من العلماء.
          وإن كان المراد نزوله إلى بيت العزة وذلك بسبب نبيِّنا ◙؛ فأطلق نزوله عليه لقربه منه.
          وأمَّا ما نزل به جبريل؛ فقد قال تعالى: {نزل به الروح الأمين. على قلبك} [الشعراء:193- 194]، فهذا متعلق القلب، وذلك متعلق القرب.
          ومن الملح أنَّ توراة موسى نزلت في ستِّ ليالٍ مضين من رمضان كما سبق، وإذا جمع بين موسى وداود وعيسى والنَّبيِّ صلعم كانوا أربعةً، فنضرب أربعة في ستة بأربعة وعشرين، فجاء إنزال القرآن في الرابع والعشرين.
          أو نقول: أنزلت صحف إبراهيم في ثلاث وتبعتها توراة موسى، والأنبياء المذكورون قبل النَّبيِّ صلعم ثلاث؛ إبراهيم، وموسى، وداود ‰، فإذا ضربنا ثلاثة في ستة ثمانية عشر، وإذا أضفنا النَّبيَّ صلعم إلى هؤلاء الثلاثة؛ كانوا أربعة، فإذا ضربنا أربعة في ستة؛ كان الخارج أربعة وعشرين، فجمع للنَّبيِّ صلعم بين المقامات السابقة من التعشير، والتخميس، والتسديس، والتربيع، فإنَّه الجامع لجميع المقامات العلية، ونتج من ذلك أسرار غريبة.
          فائدة: التحريف حادث حدث في أيام الحجاج، روى سلَّام أبو محمد أنَّ الحجاج جمع القراء والحفاظ والكُتَّاب، قال: وكنت فيهم، وأنَّه قال لهم: أخبروني عن القرآن كله، كم من حرف هو؟ قال: فحسبناه، فأجمعنا على أنَّ القرآن ثلاث مئة ألف حرف وأربعون ألف حرف وسبع مئة حرف وأربعون حرفًا، قال: فأخبروني إلى أيِّ حرفٍ ينتهي نصف القرآن؟ فإذا هو في (الكهف) {وليتلطف} [الكهف:19] في الفاء، قال: فأخبروني بأثلاثه؟ فإذا الثلث الأول رأس مئة من {براءة}، والثلث الثاني رأس مئة أو إحدى ومئة من {طسم} الشعراء، والثلث الباقي ما بقي من القرآن، قال: فأخبروني بأسباعه على الحروف؟ فإذا أول سبع في (النساء): {فمنهم من آمن به ومنهم من صد} [النساء:55] في الدال، والسبع الثاني في (الأعراف): {أولئك الذين}(1) {حبطت} [الأعراف:147] في الباء، والسبع الثالث في (الرعد): {أكلها} [الرعد:35] في الألف، والسبع الرابع في (الحج): {ولكلِّ أمة جعلنا منسكًا} [الحج:34] في الألف، والسبع الخامس في (الأحزاب): {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة} [الأحزاب:36] في الهاء، والسبع السادس في (الفتح): {الظانين بالله ظن السوء} [الفتح:6] في الواو، والسبع السابع ما بقي من القرآن.
          قال سلام أبو محمد: علمناه في أربعة أشهر، وأول ربع الحجاج خاتمة (الأنعام)، والربع الثاني في (الكهف) {وليتلطف} [الكهف:19]، والربع الثالث خاتمة (الزمر)، والربع الرابع ما بقي من القرآن، هذه طريقة الحجاج، وهي غير مرضية، وطرقه كلها كانت رديئة، وفي ذلك اختلاف من جهة النظر إلى عدِّ الآي لا الحروف.
          ووقع الاختلاف أيضًا في عدِّ الآي، باعتبار عدِّ المكيين، والمدنيين، والكوفيين، والبصريين، والشاميين، وعددها عند المكيين: ستة آلاف آية ومئتا آية وتسعة عشر آية، وللمدنيين عدان: أول وآخر؛ فالأول: الذي رواه أهل الكوفة عنهم ستة آلاف آية، / والعدد الآخير: ستة آلاف آية ومئتا آية وأربعة عشر آية، والعدد عند الكوفيين: ستة آلاف ومئتان وست وثلاثون آية، وهو العدد الذي رواه مسلم والكسائي عن حمزة، وأسنده الكسائي إلى عليٍّ ╩، وعددها عند البصريين: ستة آلاف ومئتا آية وأربع آيات، وعند الشاميين: ستة آلاف ومئتان وست وعشرون آية، وفي رواية: وخمس وعشرون آية.
          قال أبو عمرو الدانيُّ: فهذه الأعداد التي يتداولها الناس، ويعدون بها في الآفاق قديمًا وحديثًا.
          وقد جاء عن عطاء بن يسار: أنَّ حروفه ثلاث مئة ألف حرف، وثلاثة وعشرون ألفًا، وخمسة عشر حرفًا.
          وقد روى عبد الله بن كثير عن مجاهد قال: هذا ما أحصينا من القرآن، وهو ثلاث مئة ألف حرف، وأحد وعشرون ألف حرف، ومئة وثمانون حرفًا.
          وهذان القولان مخالفان لما سبق عن الحاسبين لذلك في زمن الحجاج، وهذا يدل على أنَّ التابعين تكلموا في ذلك، انتهى ما نقلته من كلام شيخ الإسلام المجتهد سراج الدين البلقيني الشافعي ⌂ شيخ والدي ⌂.


[1] كذا في الأصل، وهذه الآية في (آل عمران).