مصابيح الجامع الصحيح

كتاب الأذان

           ░░10▒▒ (كتاب الأذان)
          ░1▒ بابُ بَدْءِ الأَذانِ
          فائدة: روى الإمام أحمد وأبو داودَ والنَّسائيُّ عن أبي هريرةَ ╩: رفعه: «المؤذِّن يُغفَر له قدر صوته، ويشهد له كلُّ رطبٍ ويابس».
          وعن ابن عمر مرفوعًا: «يغفر الله للمؤذِّن مُنْتهى أذانه، ويستغفر له كلُّ رطب ويابس سمعه»، ورواه أحمد بسند صحيح.
          زاد البزَّار (ويجيب) بدل (ويستغفر).
          وفي رواية لأحمد: يُغفَر له مدى صوته، ويصدِّقه كلُّ رطب ويابس، وأحمد وأبو داود والنسائي: وله مثل أجر من صلَّى معه.
          ولابن حبَّان: يُغفَر له مدُّ صوته، ويشهد له كلُّ رطب ويابس.
          وروى ابن ماجة والحاكم عن ابن عمر ╠: قال: «من أذَّن اثنتي عشرة سنة؛ وجبت له الجنَّة».
          وفي «ابن ماجة» و «التِّرمذيِّ» : عن ابن عبَّاس ╠: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «من أذَّن سبع سنين؛ كتب الله تعالى له براءة من النَّار».
          وروى الطَّبرانيُّ في «أصغر المعاجم» : عن أنس ╩ رفعه: «إذا أُذِّنَ في قرية؛ أمَّنها الله تعالى من عذابه في ذلك اليوم».
          وروى أبو داود والتِّرمذيُّ عن أبي هريرة ╩: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «الإمام صائن، والمؤذِّن مؤتمن، اللَّهمَّ أرشد الأئمَّة واغفر للمؤذِّنين».
          وروى مسلم مرفوعًا: «المؤذِّنون أطولُ النَّاس أعناقًا يوم القيامة» واختلفوا في معناه؛ فقيل: أكثر رجاء لرحمةِ الله تعالى، وقيل: لا يُلْجمهم العَرق.
          ورُوِيَ: (إعناقًا) بالكسر؛ أي: إسراعًا إلى الجنَّة.
          وروى أبو الشَّيخ عن أبي هريرة: أنَّ النَّبيَّ ◙ قال: «من أذَّن خمس صلوات إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه».
          وروى أبو بكر الخطيب عن جابر ╩: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «أوَّل من يَدْخل الجنَّة الأنبياء، ثمَّ مؤذِّنوا البيت الحرام، ثمَّ مؤذِّنوا بين المقدس، ثمَّ مؤذِّنوا مسجدي، ثمَّ سائر المؤذِّنين قال: ومؤذِّن البيت: بلال».
          إشارة: الفرق بين ما في الآيتين من النِّداء إليها والنداء لها؛ أنَّ صلاة الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام، يقصد في الأولى مَعْنى الانتهاء، وفي الثَّانية مَعْنى الاختصاص. /
          تَنْبيه: استفتح البخاريُّ هذا الباب بهاتين الآيتين إمَّا للتَّبرُّك، أو لذكر الأذان فيهمَا، أو لأنَّ [ذلك] كان بدء الأذان وأنَّ ذلك بالمدينة، فإنَّهما مدنيَّتان؛ قاله شيخ والدي، انتهى.
          وروى البزَّار أنَّه ◙ أُرِيَ الأذان ليلة الإسراء وأُسمِعَه فشاهده فوق سبع سماوات، ثمَّ قدَّمه جبريل فأمَّ أهل السَّماء والأرض، وفيهم آدم ونوح ‰، فأكمل الله سبحانه له الشَّرف على أهل السَّماوات والأرض.
          وبدء الأذان كان في السَّنة الأولى، وقال ابن عبَّاس: (الأذان نزل مع الصَّلاةِ؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ} [الجمعة:9]) مع أنَّه قد روي أنَّ الأذان كان ليلة الإسراء كما ذكره بن فارس وغيره مطوَّلًا، وذكره السُّهيليُّ في «روضه» بسنده إلى البزَّار، وتقدَّم، ومال إلى صحَّته، وقد جاء في بعض طرق حديث إمامة جبريل بالنَّبيِّ ♂ أنَّه أتى النَّبيَّ صلعم بمكَّة حين زالت الشَّمس، وأمره أن يؤذِّن النَّاسَ بالصَّلاةِ حين فُرِضَت عليهم، الحديث أخرجه الدَّار قطنيُّ من حديث أنس.
          قال المحبُّ الطَّبريُّ: ومعنى الأمر بالأذان ههنا الإعلام، لا الأذان المَعْروف؛ لأنَّه إنَّما شُرِع بالمدينة، وكانت هذه الصَّلاة بمكَّة، والحديث الَّذي ساقه السُّهيليُّ في سَنَده زياد بن المُنذر، وهو كذَّاب.
          إشارة: قال ◙ لعبد الله بن زيدٍ رائي الأذان والإقامة: «ألق ما رأيتَ على بلال، فإنَّه أندى صوتًا» قاله أبو داودَ، ويزعم الأنصار أنَّ عبد الله بن زيد جنب والنداء كان فرضًا ولولا ذلك؛ لأمره ◙ بالأذان، فلمَّا أذَّن بلال؛ سمع بذلك عمر ╩ وهو في بيته، فخرج وهو يجرُّ رداءه يقول: (والَّذي بعثك بالحقِّ؛ لقد رأيتُ مثلَ ما رأى)، فقال ◙: «الحمد لله». رواه أبو داودَ وغيره بإسناد صحيح.
          وذكر الإمام والغزاليُّ والقاضي حسين: أنَّ عبد الله بن زيد أذَّن مرَّة بإذن النَّبيِّ صلعم، وهو أوَّل مؤذِّن في الإسلام، قال ابن الصَّلاح: لم أجد هذا بعد البحث عنه، وقال السُّهيليُّ: لمَّا أخبر عبد الله بن زيد بها _أي: الرُّؤيا_ رسول الله صلعم وأمره أن يُلقيها على بلال؛ قال: يا رسول الله! أنا رأيتها، وأنا كنت أحبُّها لنفسي، فقال: «ليؤذِّن بلال ولتُقِمْ أنت».
          ففي هذا جواز أن يؤذِّن الرَّجل ويقيم غيره، وهو معارض لحديث زياد بن الحارث الصُدائيُّ حين قال له ◙: «من أذَّن؛ فهو أحقُّ أن يقيم» إلَّا أنَّه يدور على عبد الرَّحمن [بن] زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف، والأوَّل أصحُّ، وتكلَّم العلماء في الحكمة الَّتي خصَّت الأذان بأن يراه رجل من المسلمين في نومه، ولم يكن عن وحيٍ من الله لنبيِّه كسائر العبادات.
          وفي قوله ◙ له: «إنَّها لرؤيا حق» ثمَّ بنى حكم الأذان عليها، وهل كان ذلك وحي من الله أم لا، وليس في الحديث دليل على أنَّ قوله ذلك كان عن وحي.
          أمَّا الحكمة في ذلك؛ فلأنَّه ◙ أُرِيَهُ كما تقدَّم ليلة الإسراء، وهذا أقوى من الوحي، فلمَّا هاجر؛ فُرِضَ الأذان إلى المدينة، وأرادوا إعلام النَّاس بوقت الصَّلاة فلبث الوحيُ حتَّى رأى عبد الله الرُّؤيا، فوافقت ما رآه ◙، فلذلك قال: «إنَّها لرؤيا حق إن شاء الله»، وعلم حينئذٍ أنَّ مراد الله بما أراه الله تعالى في السَّماء أن يكون سنَّة في الأرض، وقوي ذلك عند موافقته رؤيا عمر رضي الله تعالى للأنصاريِّ، مع أنَّ السكينة تنطق على لسان عمر.
          واقتضت الحكمة الإلهيَّة أن يكون الأذان على لسان غيره أنوه به وأفخم لشأنه، وهذا معنى بيِّنٌ فإنَّه سبحانه يقول: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشَّرح:4]، فمن رفع ذكره أن شاد به على لسان غيره سبحانه وتعالى.
          وقد أذَّن ◙ كما رواه التِّرمذيُّ من طريق يدور على عمر بن الرِّماح، ورواه الدَّارقطنيُّ بإسنادِ التِّرمذيِّ، ووافقه في إسناد ومتن، لكنَّه قال فيه: (فقام المؤذِّن، فأذَّن) ولم يقل: أذَّن رسول الله صلعم، والمفصَّل نقيض يحلُّ المجمل المحتمل.
          روى ابن ماجه: أنَّ عبد الله بن زيد قال في ذلك:
أحمد الله ذا الجلال وذا الإكرام                     حمدًا على الأذان كثيرًا
إذ أتاني به البشير من الله                     فأكرم به لديَّ بشيرًا
في ليالٍ والى بهنَّ ثلاثًا                     كلَّما جاء زادني توقيرًا /