مصابيح الجامع الصحيح

كتاب الجهاد

           ░░56▒▒ (كتاب الجهاد)
          [الجهاد: هو مصدر جاهدت العدو؛ إذا قاتلته، ببذل كل منهما جهده؛ أي: طاقته في دفع صاحبه.
          وبحسب الاصطلاح: قتال الكفار لتقوية الدين]
.
          لطيفة: روى أنس بن مالك قال: بينا رسول الله صلعم يمشي استقبله شاب من الأنصار، فقال له رسول الله صلعم: كيف أصبحت يا حارث؟ قال: أصبحت مؤمنًا حقًّا، قال: انظر ما تقول فإن لكلِّ قول حقيقة، فقال: يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا، وأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، فكأني بعرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاوون فيها، قال: انصرف، فالزم، عبدٌ نور الله الإيمان في قلبه، فقال: يا رسول الله: ادع الله لي بالشهادة، فدعا له، فنودي يومًا في الخيل، فكان أول فارس ركب، وأول فارس استشهد، فبلغ ذلك أمه، فجاءت رسول الله صلعم، فقالت: يا رسول الله إن يكن في الجنة لم أبك عليه ولكن أحزن، وإن يكن في النار، بكيت ما عشت في الدنيا، فقال: يا أم حارثة، إنها ليست بجنة ولكنها جنان، والحارث في الفردوس الأعلى، فرجعت وهي تضحك وتقول: بخ بخ لك يا حارث. /
          لمَّا انتهى البخاري رحمة الله عليه مما يتعلق مع الخالق من العبادات، ثم مما يتعلق بالمعاملة مع الخلق؛ أردفها بمعاملة جامعة بين معاملة الخالق وفيها نوع اكتساب، فترجم كتاب الجهاد؛ إذ به يحصل إعلاء كلمة الله سبحانه، وإذلال الكفار، واسترقاق نسائهم وصبيانهم ومجانينهم وعبيدهم وغنيمة أموالهم؛ العقار والمنقول، والتخيير في كامليهم، وبدأ بفضل(1) الجهاد، ثم ذكر ما يقتضي أن المجاهد ينبغي أن يعد نفسه في القتلى فترجم: (باب التحنط) عند القتال، وقريب منه من ذهب؛ ليأتي بخبر العدو وهو الطليعة وكان الطليعة تحتاج إلى ركوب الخيل، فذكر أحوال الخيل، ثم ذكر من الحيوان ما له خصوصية، وهو بغلة النبي صلعم وناقته، وكان الجهاد في الغالب للرجال، وقد يكون النساء معهم؛ تبعًا، فترجم: (أحوال النساء في الجهاد)، وذكر باقي ما يتعلق بالجهاد، ومنها آلات الحرب وهيئتها والدعاء قبل القتال، وكل ذلك من آثار بعثته صلعم العامة، فترجم: (دعاء النبي صلعم إلى الإسلام)، وكان عزم الإمام على الناس في الجهاد إنما هو بحسب الطاقة، فترجم: (عزم الإمام على الناس فيما يطيقون)، وتوابع ذلك وكانت الاستعانة في الجهاد تكون بجُعْلٍ وبغير جُعْلٍ، فترجم: (الجعائل)، وكان الإمام ينبغي أن يكون إمام القوم فترجم: (المبادرة عند الفزغ)، وكانت المبادرة لا تمنع من التوكل ولا سيما في حق من نصر بالرعب: فذكره، وذكر مبادرته على أن تعاطي الأسباب لا يقدح في التوكل فترجم: (حمل الزاد في الغزو)، ثم ذكر آداب السفر وكان القادمون من الجهاد قد تكون معهم الغنيمة، فترجم: (كتاب الخمس)، وكان ما يؤخذ من الكفار يكون تارة بالحرب ومرة بالمصالحة، فذكر: (كتاب الجزية وأحوال أهل الذمة)، ثم ذكر تراجم تتعلق بالموادعة والعهد والحذر من الغدر إلى آخر الكلام، وهو مفرق على أمكانه.
          [ (السِير): بكسر السين؛ جمع السيرة وهي الطريقة، يقال: إنها من: سار يسير، وترجموه بها لأن الأحكام المذكورة فيه متلقاة من سِيَر الشارع في غزواته.]


[1] في الأصل: (حصل).