مصابيح الجامع الصحيح

كتاب بدء الخلق

           ░░59▒▒ (كتاب بدء الخلق).
          لما تمَّت المعاملات الثَّلاث، وهي المذكورة أوَّل البيع وأوَّل الجهاد، وكلُّها من الوحي المترجم على بدء الوحي، فذكر بعدها بدء الخلق.
          قال شيخنا: ويظهر لي أنَّه إنَّما ذكر الخلق عقب كتاب الجهاد؛ لأنَّه لمَّا كان الجهاد مشتملًا على إرهاق الإنس، فأراد أن يذكر أنَّ هذه المخلوقات محدثات، وأنَّ مآلها إلى الفناء، وأنَّه لا خلود لأحد. انتهى
          والذي يظهر لي: إنَّما ذكر بدء الخلق عقب الجهاد لأنَّه ⌂ أراد أن يعرفك أنَّ العمل، والرِّزق، والأجل، والشَّقاء، والسَّعادة كلُّ ذلك كتب كما في الحديث الذي ذكره في بدء الخلق قبل أن تنفخ فيك الرُّوح فأخلص النيَّة في الجهاد، فإن رزقك من الفيء والغنيمة قسم لك، وكتب لك، فلا تجعل جهادك لأجل طلب الرِّزق، ولا تمتنع من الجهاد خشية القتل، فإن أجلك كتب، ولا خشية أن تقتل، فتخاف على أولادك الضيعة بعدك، فإنَّ أرزاقهم أيضًا قد كتبت، ثم نفخ فيهم الرُّوح واحذر أن تجاهد رياءً للذِّكر وسمعةً أو ليُرى مكانك، فإنَّ الشَّقاء والسَّعادة كتبت، فاحرص أن تقاتل لتكون كلمة الله سبحانه هي العليا، لتكون من أهل السَّعادة.
          وإنَّما بوَّب باب في النُّجوم ثم بابٌ في صفة الشَّمس والقمر؛ لينبه على أنه لا يلتفت إلى قول المنجمين، بما يقل: النَّجم الفلاني أو الطَّالع الفلاني.
          ولقد أحسن من أشعر:
دع النُّجوم لطرقي يعيش بها                     وبالعزيمة فانهض أيُّها الملك
إن النَّبيَّ وأصحاب النَّبيِّ نهوا                     عن النُّجوم وقد أبصرت ما ملكوا
          ثم ذكر الملائكة، لأنَّك إذا أخلصت في الجهاد جاءتك بالبشارة عند الموت، ثم قال: باب التَّأمين: أي إلجأ إليه سبحانه وسأله أن يكون خالصًا لوجهه سبحانه وتعالى، وأمِّن على الدُّعاء، فإنَّ الملائكة تؤمِّن على دعائك، وذكر باب الجنَّة ليذكرك ما أعد الله سبحانه للمجاهدين في الجنَّة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر، وذكر صفتها لتشتاق إليها، وذكر وصف الجنَّة أيضًا في أوَّل كتاب الجهاد ليذكرك ؟؟؟ الجهاد؟؟؟، ثمَّ ذكر باب صفة أبواب الجنَّة لينبهك على أنَّك تدعى من باب الجهاد، ثم ذكر باب صفة النَّار ليحذرك من النَّار، وقال البلقينيُّ: ومن مناسبة ذكر الجنَّة والنَّار اللَّتين مآل الخلق إليهما، ناسب ذكر إبليس وجنوده عقب صفة النَّار لأنَّهم أهلها، ثم ذكر الجنَّ ولما كان خلق الدَّواب مثل خلق آدم عقبه بخلق آدم، انتهى
          ويظهر لي أنه لمَّا ذكر صفة النَّار ذكر صفة إبليس وجنوده ثمَّ ذكر الجنَّ وثوابهم وعقابهم، ذهابًا منه إلى أنَّ الجن من ولد إبليس وأنَّ لهم ثوابًا وعقابًا، وأنَّ مؤمنهم يدخل الجنَّة، كما أنَّ كافرهم يدخل النَّار، كما قال الشافعيُّ وغيره: أنَّهم يدخلون الجنَّة، ولم يمل إلى ما جاء عن الزُّهريِّ والكلبي ومجاهد: أنَّ مؤمن الجنَّ حول الجنَّة في ربضٍ ورحاب وليسوا فيها، فإنَّ البخاريَّ شافعيٌّ، وأما أبو حنيفة فعنه روايتان الأولى: التَّردد وقال: لا أدري أين مصيرهم، الثَّانية: يصيرون يوم القيامة ترابًا.
          ثمَّ ذكر كتاب الأنبياء ليعلمك أنَّ رسل الجن هم رسل الإنس، وأنَّ الرُّسل من الإنس دون الجنِّ، قاله مجاهد والضَّحاك وابن جريج والجمهور، انتصارًا لهذا المذهب، والمذهب الثَّاني أنَّ من الجنِّ رسلًا، قيل: بعث الله سبحانه رسولًا واحدًا من الجن اسمه يوسف.
          وقال الكلبيُّ: كانت الرُّسل يبعثون إلى الإنس، وبُعث صلعم إلى الجنِّ والإنس. /
          قوله: (بدء الخلق) قال الكرمانيُّ: البدء: بالهمز الابتداء.