مصابيح الجامع الصحيح

أبواب المحصر

           ░░27▒▒ (أبواب المحصر... إلى كتاب البيع)
          باب الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَقَوْلُهُِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوْسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]
          قوله: (الْمُحْصَرِ) أي: المَمْنوع من الحجِّ أو العمرة.
          (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي: لا يختصُّ بمنع العدوِّ فقط، قاله الكرمانيُّ.
          اعلم أنَّ (الحصر) و(الإحصار) المنع، يُقَال: أحصَره المرض وحصَره العدوُّ، وقيل عكسه، وقيل: (حَصَر) و(أحَصَر) فيهما، والأوَّل أشهر.
          والمراد بـ(الإحصار) هنا: المنعُ عمَّا نهى على المحرم مِن أركان ما أُحرِم به، من وقوف أو طواف أو سعي أو جميع ذلك.
          والإحصار المقتضي للتَّحلُّل شرطه: أن يكون عن الأركان، فلو مُنِعَ مِنَ الرَّمي والمبيت؛ فإنَّه لا يجوز له التَّحلُّل، عن البرماويِّ وغيره؛ لأنَّه ممكن وسقط التَّحلُّل بالطَّواف والحلق، وتقعُ حجَّته ؟؟عن حجَّة الإسلام، ويُجبَر للمبيت وللرَّمي بالدَّم إذا انتفى انكشاف العدوِّ بأن يبقى.
          قال الماورديُّ: إن كان الحجُّ في مدَّة يمكن أداؤه بعدها أو في العمرة في مدَّةٍ [...] هي ثلاثة أيَّام؛ لم يجز له التَّحلُّل.
          إذا علمتَ هذا؛ فاعلم أنَّ قول عطاءٍ: (الإحصار مِن كلِّ شيءٍ يحبسهُ) الضَّمير فيه عائدٌ إلى الحاجِّ، ومعناه: الإحصار مِنَ المرض ومِن العدوِّ ومن كلِّ شيءٍ يحبس الحاجَّ، وهذا قول النَّخعيِّ والثَّوريِّ والكوفيِّين، وهو قول الفرَّاء وأبي عمرو، والحجَّة لذلك الآية المذكورة، وإنَّما نزلت في الحديبية، وكان حبسهم يومئذ بالعدوِّ، وقال أبو عمرو: يقال: أحصَرَني الشَّيء وأُحصرتُ؛ حبسني، وقال الكسائيُّ وأبو عبيدٍ: يقال مِن العدوِّ: حصر فهو محصور، ومن المرض: أُحصِر فهو مُحصر، وقال ابن عبَّاس: قد أُحصِر رسول الله صلعم، وقد سكت البخاريُّ على كلام عطاء، فهو مذهبه، أبو حنيفة: كلُّ مَنْعٍ من عدوٍّ أو مرض أو غيرهما، هو إحصارٌ، مالك والشَّافعيُّ: أنَّه منع العدوِّ وحده.