مصابيح الجامع الصحيح

كتاب العلم

           ░░3▒▒ (كتاب العلم)
          إشارة: إن قيل: لم بدأ المصنِّف بالنَّظر في فضل العلم قبل النَّظر في حقيقته؟
          فالجواب: كما قال القاضي أبو بكر بن العربيِّ: لاعتقاد البخاريِّ أنَّ العلم في نهاية الوضوح، فلا يحتاج إلى تعريفٍ، أو لأنَّ النَّظر في حقائق الأشياء ليس من فنِّ الكتاب، وكلٌّ من العُذْرين ظاهرٌ؛ لأنَّ البخاريَّ لم يضع كتابه بحدود الحقائق وتصوُّرها، بَلْ هُوَ جارٍ على أساليب العرب القديمة، فإنَّهم يَبْدؤون بفضيلة المطلوب للتشويق إليه، إذا كانت حقيقته مكشوفةٌ معلومةٌ.
          إن قيل: لمَ لم يُورِد البخاريُّ في هذا الباب شيئًا من الحديث؛ فالجواب: أنَّه إمَّا أن يكون اكتفى بالآيتين الكريمتين وإمَّا بيَّض ليلحق ما يناسبه، فلم يتيسَّر، وإمَّا أورد فيه حديث ابن عمر الآتي بعد باب رفع العلم، ويكون وضعه هناك من تصرُّف بعض الرُّواة وفيه نظرٌ، على ما سيأتي هناك.
          ونقل الكرمانيُّ عن بعض أهل الشَّام أنَّ البخاريَّ بوَّب الأبواب وترجم التَّراجم وكتب الأحاديث، وربَّما بيَّض لبعضها ليُلحقه، وعن بعض أهل العراق أنَّه تعمَّد بعد التَّرجمة عدم إيراد الحديث إشارة إلى أنَّه لم يثبت شيءٌ عنده على شرطه، انتهى.
          والَّذي يظهر أنَّ هذا محلُّه، حيث لا يُوْرِدُ فيه آيةً ولا أثرًا، أمَّا إذا أورد آيةً أو أثرًا؛ فهو إشارةٌ منه إلى ما وَرَدَ في تفسير تلك الآية، وأنَّه لم يثبت فيه شيء على شرطه، وما دلَّت عليه الآية كافٍ في الباب، وإلى أنَّ الأثر الوارد في ذلك يقوى به طريق المرفوع، وإن لم يصل في القوَّة إلى شرطه، انتهى. /