إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما من مكلوم يكلم في الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى

          5533- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابنُ مسرهدٍ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدِ الوَاحِدِ) بنُ زياد، ولغير أبي الوقتِ وابنِ عساكرَ(1): ”عن عبد الواحد“ قال: (حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ القَعْقَاعِ) بضم العين وتخفيف الميم (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ) هَرِمِ (بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ) بفتح الجيم (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ) بضم أوله وفتح اللام، أي: مجروحٍ يجرح (فِي اللهِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ(2): ”في سبيل الله“ (إِلَّا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَكَلْمُهُ) بفتح الكاف وسكون اللام، وجرحه (يَدْمَى) بفتح أوله وثالثه من باب علم يعلم، أي: يسيلُ منه الدَّم (اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ) تشبيهٌ بليغٌ بحذف أداةِ التَّشبيه، أي: كريح مسك وليس مسكًا حقيقة بخلاف: «اللَّون لون دم»‼، فإنَّه لا حاجة فيه لتقدير(3) كاف التَّشبيه لأنَّه دم حقيقة.
          والحاصلُ: أنَّه يُراد إظهار شرف الشَّهيد بدَلالة جرحه على شهادتهِ مع تغيُّر وصف دمهِ، فإنَّ الدَّم وضع(4) ريحُه أن يكون كريهًا، وتغيره أيضًا من النَّجاسة إلى الطَّهارة، وفي قوله: «في الله» إشارة إلى أنَّه لا يدخل من قاتل دون ماله؛ لأنَّه يقصد صونَ ماله بداعيةِ طبعهِ.
          وأُجيب بأنَّه يمكن الإخلاص مع إرادةِ صون المال بأن لا يُمَحِّضَ القصدَ بالصَّون، بل يقاتلُه على ارتكاب المعصيةِ ممتثلًا أمر الشَّارع بالدَّفع.
          وموضعُ التَّرجمة منه قوله: «ريحُ مسك». وقال ابن المنيِّر: وجه استدلال البخاري بهذا الحديث على طهارة المسك وقوعُ تشبيه(5) دم الشَّهيد لأنه في سياق التَّكريم والتَّعظيم، فلو كان نجسًا لكان من الخبائثِ ولم يَحْسُنِ التَّمثيلُ به في هذا المقام. وقال الكِرمانيُّ: وجه مناسبةِ الباب بالكتابِ كون المسكِ فضلةَ الظَّبي، وهو ممَّا يصاد.
          وهذا الحديث سبق في «الجهاد» [خ¦2803].


[1] عزا المثبت في المتن: «حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ» في اليونينية إلى رواية أبي ذر وابن عساكر.
[2] في (م) و(د): «في الله أي».
[3] في (م): «لتقديم».
[4] في (م): «يوضع»، و(د): «موضوع»، و(ص): «موضع».
[5] في (م): «تشبه».