إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم

          5499- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ) العمِّيُّ أبو الهيثم قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ _يَعْنِي: ابْنَ المُخْتَارِ_) بالخاء المعجمة، البصريُّ الدَّباغ قال: (أَخْبَرَنَا(1) مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ) مولى آل الزُّبير، ويقال: مولى أمِّ خالد زوج الزُّبير، الإمام في المغازي (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (سَالِمٌ أَنَّهُ سَمِعَ) أباه (عَبْدَ اللهِ) بن عمر بن / الخطَّاب ☻ (يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم أَنَّهُ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ) بضم النون‼ وفتح الفاء، وعَمرو: بفتح العين، وزيدٌ هذا والدُ سعيد بن زيد العدويِّ، أحدِ العشرة المبشَّرة بالجنَّة (بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ) بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الدال آخره حاء مهملتين، منصرفٌ، ولأبي ذرٍّ(2) غير منصرفٍ، اسمُ موضعٍ بالحجاز قريب من مكَّة (وَذَاكَ(3) قَبْلَ أَنْ يُنْزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم الوَحْيُ) وكان زيدٌ في الجاهليَّة يتعبَّد على دينِ إبراهيم صلعم (فَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلعم سُفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ) بفتح قاف فقَدَّم، والضَّمير في إليه لزيد، ورسول الله رفع فاعل، وسفرة مفعول، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”فقُدِّم“ بضم القاف مبنيًّا للمفعول، ”إلى رسولِ الله صلعم سفرة“، وجمع بينهما بأنَّ القومَ الَّذين كانوا هناك قدموا السُّفرة للنَّبيِّ صلعم فقدمها النَّبيُّ صلعم لزيد (فَأَبَى) فامتنعَ زيد (أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ(4)) مخاطبًا للقوم الَّذين قدموا السُّفرة للنَّبيِّ صلعم : (إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلَا آكُلُ إِلَّا مِمَّا) ولابنِ عساكرَ: ”إلا ما“ (ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) عندَ ذبحه. قال السُّهيليُّ(5): إنَّما قال زيد ذلك برأي منه لا بشرعٍ بلغَه، فإنَّ الَّذي في شرعِ إبراهيم تحريمُ الميتةِ لا ما ذُبح لغيرِ الله. وتعقِّب بأنَّ الَّذي في شرعِ إبراهيم ╕ تحريم ما ذُبح لغيرِ الله تعالى، وقد كان عدوَّ الأصنام، وفي حديث زيد بنِ حارثة عندَ أبي يعلى والبزَّار وغيرهما قال: «خرجنَا مع رسولِ الله صلعم يومًا من مكَّة وهو مُرْدفي، فذبحنا شاةً على بعضِ الأنصابِ فأنضجناهَا(6)، فلقينا زيد بن عَمرو...» فذكر الحديث مطوَّلًا، وفيه: «فقال زيد: إنِّي لا آكلُ ممَّا لم يذكرِ اسم الله عليه». وقوله: ذبحنَا شاة على بعض الأنصابِ، يعني: الحجارةَ الَّتي ليست بأصنامٍ ولا معبودة، وإنَّما هي من آلاتِ الحجارة الَّتي يذبح عليها. فإن قلتَ: هل أكل النَّبيُّ صلعم من ذلك؟ أُجيب بأنَّ(7) جعلَه في سفرة رسولِ الله صلعم لا يدلُّ على أنَّه أكلَ منه، وكم من شيءٍ يُوضع في سفرة المسافرِ ممَّا لم يأكلْ هو منه، وإنَّما لم يَنْهَ صلعم من معه عن أكلهِ لأنَّه لم يوحَ إليه بعد ولم يؤمر بتبليغِ شيءٍ تحريمًا ولا تحليلًا، وقد كانَ صلعم لا يأكلُ من ذَبائحهم الَّتي يذبحونهَا لأصنامهِم، فأمَّا ذَبائحهم الَّتي يذبحونَهَا لمآكلهِمْ فلم نجدْ في الحديث أنَّه كان يتنزَّه عنها، وقد كان بين ظَهْرانَيْهم مقيمًا، ولم يذكرْ أنَّه كان يتميَّز عنهم إلَّا في أكلِ الميتةِ، وقد أباحَ الله تعالى لنا(8) طعامَ أهل الكتابِ والنَّصارى‼، والمشركون يذبحونَ ويشركون في ذلك(9) بالله تعالى، قاله الخطَّابيُّ.
          وهذا الحديث قد سبق مطوَّلًا في آخر «المناقبِ» في «باب حديث زيد بن عَمرو بن نُفَيل» [خ¦3826].


[1] في (م): «أخبرني».
[2] «ولأبي ذر»: ليست في (د).
[3] في (د): «وذلك».
[4] في (د): «فقال».
[5] في (م): «البيهقي».
[6] في (م): «فأنضجنا».
[7] في (م): «بأنه».
[8] في (م): «إلينا».
[9] في (د): «تلك»، وفي الهامش في نسخة: ذلك.