إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بعثنا النبي ثلاثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة

          5494- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المُسْنَديُّ قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (سُفْيَانُ) بن عُيينة (عَنْ عَمْرٍو) هو ابنُ دينار (قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا) ☺ (يَقُولُ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ صلعم ثَلَاثَ مِئَةِ رَاكِبٍ) فيهم عمرُ بن الخطاب ☺ (وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ) ابن الجرَّاح (نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ) بكسر العين المهملة، إبلًا تحمل طعامًا لهم. وعند ابنِ سعدٍ أنَّه صلعم بعثهم إلى حيٍّ من جُهينة بالقَبَلية _بفتح القاف والموحدة_ ممَّا(1) يلي ساحلَ البحر بينهم وبين المدينة خمس ليالٍ، وأنَّهم انصرفوا ولم يلقوا كيدًا.
          واستُشْكل هذا بما في حديث الباب؛ إذ ظاهرهُ(2) المُغايرةُ. وأُجيب بأنَّه يمكن الجمع بين كونهم يتلقَّون عيرًا لقريش، ويقصدون حيًّا من جُهينة، وحينئذٍ فلا مُغايرة بينهما.
          (فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الخَبَطَ) بفتحتين، ورق السَّلَم، وفي رواية أبي الزُّبير عند مسلم: «وكنا نضرب بعصينا الخَبَط ثمَّ نبلُّه بالماء فنأكله» (فَسُمِّيَ جَيْشَ الخَبَطِ وَأَلْقَى) إلينا (البَحْرُ) لما انتهينا إلى ساحلهِ (حُوْتًا يُقَالُ لَهُ: العَنْبَرُ) طوله خمسون ذراعًا يقال له: بالة، وفي رواية ابنِ جُريج(3) السَّابقة في هذا الباب: حُوتًا ميتًا (فَأَكَلْنَا) منه (نِصْفَ شَهْرٍ) وفي رواية وهب ابنِ كيسان، عن جابر في «المغازي» ثماني عشرة ليلة [خ¦4360]. وفي رواية أبي الزُّبير عند مسلم: «فأقمنا عليه شهرًا». ويجمعُ بين ذلك بأنَّ الَّذي قال: ثماني عشرة ضبطَ ما لم يضبطْه غيره، ومن قال: نصف شهرٍ ألغى الكسرَ وهو ثلاثة أيام، ومن قال: شهرًا جبر الكسر وضم بقية المدَّة الَّتي كانت قبلَ وجدانهم الحوت إليها، ورجَّح النَّوويُّ رواية أبي الزبير لما فيها‼ من الزِّيادة (وَادَّهَنَّا بِوَدَكِهِ) بفتح الواو والدال المهملة، أي: شَحمه (حَتَّى صَلَحَتْ) بفتح الصاد واللام (أَجْسَامُنَا) ولأبي الزُّبير: «فلقد رأيتُنَا نغترفُ من وقب عينيهِ بالقلالِ الدُّهن، ونقتطعُ منه الفِدْرَ كالثَّور»، والوَقْب _بفتح الواو وسكون القاف بعدها موحدة_: النُّقرة الَّتي فيها الحدقة، والفِدْر _بكسر الفاء وسكون الدال_ جمع: فَدْرة _بفتح ثمَّ سكون_: القطعة من اللَّحم وغيره.
          وفي رواية الخولانيِّ عن جابرٍ، عند ابن(4) أبي عاصم، في الأطعمة: «وحملنَا ما شئنَا من قَدِيد ووَدَكٍ في الأسقيَةِ والغَرَائر». وفي رواية أبي الزُّبير عند المؤلِّف في «المغازي» أنَّهم ذكروا ذلك للنَّبيِّ صلعم فقال: «كلُوا رزقًا أخرجَهُ اللهُ، أطعمونَا إن كان معكمْ، فأتاهُ بعضُهم بعضوٍ منه، فأكله» [خ¦4362] وبهذا تتمُّ الدَّلالة لجوازِ أكلِ ميتة البحرِ من هذا الحديث، وإلَّا فمجرَّد أكل الصَّحابة منه وهم في حال المجاعةِ قد يقال: إنَّه للاضطرار، وقد تبيَّن بهذه / الزِّيادة أنَّ جهة كونها حلالًا ليست بسببِ الاضطرار بل لكونها من صيدِ البحر، ويُستفاد منه إباحة ميتةِ البحر سواء مات بنفسهِ أو بالاصطيادِ.
          (قَالَ) جابر: (فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ) ابن الجرَّاح (ضِلَعًا) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام (مِنْ أَضْلَاعِهِ) من أضلاع الحوتِ (فَنَصَبَهُ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ) وفي «المغازي» «ثمَّ أمر أبو عُبيدة بضلعين من أضلاعهِ فنصبا، ثمَّ أمر براحلةٍ فرحلتْ، ثمَّ مرَّت تحتهما فلم تصبهما» [خ¦4360]. وفي أخرى فيها: «فعمدَ إلى أطولِ رجلٍ معه فمرَّ تحته» [خ¦4361] (وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ) هو قيسُ بن سعد بنِ عبادة (فَلَمَّا اشْتَدَّ) بنا (الجُوعُ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ) جمع جزور. قال في «الفتح»: وفيه نظر، فإن جزائر جمع: جزيرة، والجَزور(5) إنَّما يجمعُ على جُزُر _بضمتين_ فلعلَّه جمع الجمع. انتهى. وقال في «القاموس»: والجَزور: النَّاقة المجزورة، الجمع: جَزَائر وجُزُر وجَزُورات(6) (ثُمَّ) جاعوا بعد أكلها فنحرَ (ثَلَاثَ جَزَائِرَ) وكان قيسٌ اشترى الجُزُر من أعرابيٍّ جُهنيٍّ كلُّ جَزُور بوسقٍ من تمرٍ يوفيه إيَّاه بالمدينة (ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ) عن النَّحر بسؤال عمر لأبي عبيدة في ذلك. وبقيَّة قصَّة قيس مع أبيهِ لمَّا قدم المدينة أشرتُ إليها في «المغازي» مختصرةً من حديث رويتُه في «الغيلانيات».


[1] في (د): «ما».
[2] في (د): «وظاهره».
[3] في (د): «جرير».
[4] «ابن»: ليست في (ص).
[5] في (د): «والجزائر».
[6] قوله: «وقال في «القاموس»: ... جزورات»: ليس في (د).