إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك وقتل فكل

          5484- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ) من الزِّيادة، وثابت _بالمثلَّثة_ الأحول البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَاصِمٌ) هو ابنُ سليمان (عَنِ الشَّعْبِيِّ) عامر بنِ شراحيل (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) الطَّائيِّ الجواد ابن الجواد ( ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ) أي: المعلَّم الَّذي إذا أُشْلِيَ استشلى، وإذا زُجِرَ انزجر، وإذا أخذَ لم يأكلْ مرارًا (وَسَمَّيْتَ) الله تعالى حالة إرسالك كلبك (فَأَمْسَكَ) الصَّيد (وَقَتَلَـ)ـه (فَكُلْـ)ـه(1) فإنَّ أخْذَه ذكاةٌ له (وَإِنْ أَكَلَ) الكلب منه (فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا خَالَطَ) كلبُك (كِلَابًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهَا) بأن أرسلها من ليس من أهلِ الذَّكاة (فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ) الكلاب الصَّيد، ولأبي ذرٍّ: ”فقتلنَ“ «بالفاء» بدل: «الواو»، (فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ)‼ فلو تحقَّق أنَّه أرسله من هو أهلٌ للذَّكاة حلَّ، أو وجده حيًّا فذكَّاه حلَّ أيضًا لأنَّ الاعتمادَ في الإباحة على التَّذكية لا على الإمساكِ من الكلب (وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ) بسهمكَ وغابَ عنك (فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ) فإن وجد به أثر سهم رامٍ آخر أو مقتولًا بغير ذلك فلا يحلُّ أكله مع التَّردُّد. وعند التِّرمذيِّ والنَّسائيِّ من حديث سعيد بنِ جبير، عن عديِّ بن حاتم: «إذا وجدتَ سهمكَ فيه ولم تجدْ به أثر سبعٍ وعلمتَ أنَّ سهمَكَ قتله فكلْ منه». قال الرَّافعيُّ: يؤخذُ منه أنَّه لو جرحَهُ ثمَّ غابَ ثمَّ جاء(2) فوجده ميتًا أنَّه(3) لا يحلُّ، وهو ظاهر نصِّ الشَّافعيِّ في «المختصر». قال النَّوويُّ في «الروضة»: الحلُّ أصحُّ دليلًا، وصحَّحه أيضًا الغزاليُّ في «الإحياء» وثبتتْ فيه الأحاديث الصَّحيحة ولم يثبتْ في التَّحريم شيءٌ. وعلَّق الشَّافعيُّ الحلَّ على صحَّة الحديث، والله أعلم. انتهى.
          وحكى البيهقيُّ في «المعرفة» عن الشَّافعيِّ أنَّه قال في قول ابن عبَّاس: كلْ ما أصميْتَ، ودعْ ما أنميْتَ. يعني: ما أصميْتَ: ما قتلَه الكلبُ وأنت تراهُ، وما أنميْتَ: ما غابَ عنك مقتلهُ.
          قال: وهذا عندي لا يجوز غيره إلَّا أن يكون جاء عن النَّبيِّ صلعم فيه شيءٌ، فيسقطُ كلُّ شيءٍ خالف أمره صلعم ولا يقوم معه رأيٌ ولا قياس. قال البيهقيُّ: وقد ثبتَ الخبرُ بمعنى حديث الباب فينبغِي أن يكون هو قول الشَّافعيِّ.
          (وَإِنْ وَقَعَ) الصَّيد (فِي المَاءِ فَلَا تَأْكُلْ) لاحتمالِ هلاكه بغرقهِ في الماء، فلو تحقَّق أنَّ السَّهم أصابه فمات فلم يقعْ في الماء إلَّا بعد أن قتلَه السَّهم حلَّ أكلُه.
          وفي مسلم: «فإنَّك لا تدرِي الماءُ قتلَه أو سهمُك» فدلَّ على أنَّه إذا علم أنَّ سهمَه هو الَّذي قتلهُ يحلُّ.


[1] حرف الـ «هـ»: ليس في (د).
[2] «ثم جاء»: ليست في (م).
[3] «أنه»: ليست في (ب).