إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها

          5478- به قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ) من الزِّيادة، المقرئ أبو عبد الرَّحمن مولى عمر بن الخطَّاب القرشيُّ العدويُّ قال: (حَدَّثَنَا حَيْوَةُ) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الواو بعدها تاء تأنيث، ابن شُرَيح _بالشين المعجمة المضمومة والراء المفتوحة آخره حاء مهملة_ المصريُّ(1) (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ) من الزِّيادة (الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ) عائذ الله _بالذال المعجمة_ الخولانيِّ‼ (عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ) بالمثلَّثة أوَّله، واسمه: جرثومٌ عند الأكثر (الخُشَنِيِّ) بالخاء المضمومة والشين المعجمتين ☺ أنَّه (قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّا) يريد نفسه وقبيلته، وهي خشين بطن من قضاعة، كما قاله البيهقيُّ والحازميُّ وغيرهما (بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ) ولأبي ذرٍّ: ”من أهل الكتاب بالشام“ والجملة معمولة للقول (أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ) الَّتي يطبخون فيها(2) الخنزير، ويشربون فيها الخمر. وعند أبي داود: إنَّا نجاور أهل الكتاب، وهم يطبخون في قدورهم(3)، ويشربون في آنيتهِم الخمر، والهمزة في أفنأكلُ للاستفهام والفاء عاطفة، أي: أتأذنُ لنا فنأكلُ في آنيتهم، أو زائدة لأنَّ الكلام سيق للاستخبار، وآنية جمع إناء، كسقاءٍ وأسقيةٍ، وجمع الآنية: أوان (وَبِأَرْضِ صَيْدٍ) من باب إضافة الموصوف إلى صفتهِ لأنَّ التَّقدير بأرضٍ ذات صيدٍ، فحذف الصِّفة وأقامَ المضاف إليه مقامها، وأحلَّ المعطوف محلَّ المعطوف عليه(4) (أَصِيدُ بِقَوْسِي) جملةٌ مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب، أي: أصيد فيها بسهمِ قوسي (وَ) أصيدُ فيها (بِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِي المُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي) أكلهُ من ذلك؟ (قَالَ) ╕ : (أَمَّا) بالتَّشديد حرف تفصيل (مَا) موصول في موضعِ رفع مبتدأ، صلته(5) (ذَكَرْتَ) أي: ذكرتهُ فالعائد محذوفٌ (مِنْ) آنية (أَهْلِ الكِتَابِ) وخبر المبتدأ (فَإِنْ وَجَدْتُمْ) أصبتُم (غَيْرَهَا) غير آنية أهلِ الكتاب (فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا) إذ هي مستقذرةٌ ولو غسلت، كما يكره الشُّرب في المحجمةِ ولو غسلت استقذارًا (وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) غيرها (فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا) رخصة بعد الحظر من غير كراهة للنَّهي عن الأكل فيها مطلقًا، وتعليقُ الإذن على عدمِ غيرها مع غسلها.
          وفيه: دليلٌ لمن قال: إنَّ الظَّنَّ المستفاد من الغالب راجحٌ على الظنِّ المستفاد من الأصل، وأجاب من قال بأنَّ الحكم للأصل حتَّى تتحقَّق النَّجاسة بأنَّ الأمر بالغسل محمولٌ على الاستحباب احتياطًا جمعًا بينه وبين ما دلَّ على التَّمسُّك بالأصل.
          وأمَّا الفقهاء فإنَّهم يقولون: إنَّه لا كراهة في استعمال أواني الكفَّار الَّتي ليست مستعملةً في النَّجاسة ولو لم تغسل عندهم، وإن كان الأولى الغسل للاحتياطِ لا لثبوت الكراهة في ذلك (وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ) بالفاء، ولأبي ذرٍّ بالواو (اسْمَ اللهِ) عليه ندبًا، وما شرطيَّة وفاء «فذكرت» عاطفة على صدت، وفي (فَكُلْ) جواب الشَّرط، وتمسَّك بظاهره من أوجب التَّسمية على الصَّيد والذَّبيحة، وسبق ما فيه.
          (وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرَ مُعَلَّمٍ) بنصب غير وخفضها (فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ).


[1] في (م): «البصري».
[2] في (م): «بها».
[3] في (د) زيادة: «الخمور».
[4] قال الشيخ قطة ☼ : لعلَّ صوابه: وأُضيف الموصوف إليه، تأمل.
[5] «صلته»: ليست في (د).