إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا أصبت بحده فكل فإذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ

          5476- وبه قال: (حَدَّثَنَا(1) سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) أبو أيوب الواشحيُّ الأزديُّ البصريُّ، قاضي مكَّة قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ) بفتح المهملة والفاء، سعيد الهمدانيِّ الكوفيِّ (عَنِ الشَّعْبِيِّ) عامر بن شراحيل أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ ☺ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم عَنِ المِعْرَاضِ) أي: عن حكمِ الصَّيد به، وهو خشبةٌ في رأسها كالزُّج يلقيها الفارس على الصَّيد فربَّما أصابتْه الحديدة فقتلتْهُ(2) وأراقتْ دمه، فيجوزُ أكله كالسَّيف والرُّمح، وربَّما أصابتْه الخشبةُ فترضه (فَقَالَ) صلعم : (إِذَا أَصَبْتَ) الصَّيد (بِحَدِّهِ) بحدِّ المعراض (فَكُلْ) فإنَّه ذكاته (فَإِذَا أَصَابَ) المعراضُ الصَّيد (بِعَرْضِهِ) أي: بغيرِ طرفهِ المحدَّد، ولأبي ذرٍّ: ”وإذا أصبْتَ بعرضهِ“ (فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ) لأنَّه في معنى الخشبةِ الثَّقيلة أو الحجر(3). قال في «القاموس»: الوقذُ: شدَّة الضَّرب، وشاةٌ وقيذٌ وموقوذةٌ: قتلتْ بالخشبة (فَلَا تَأْكُلْ) لأنَّه ميتة.
          قال عديٌّ: (فَقُلْتُ): يا رسول الله (أُرْسِلُ كَلْبِي؟ قَالَ) ╕ : (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ) أي: المعلَّم، كما في رواية أخرى (وَسَمَّيْتَ) الله ╡ (فَكُلْ) فيه: تعليق حلِّ الأكلِ على الإرسال والتَّسمية.
          ومبحث ذلك قد مرَّ قريبًا في الباب السَّابق، واحتجُّوا له بأنَّ المعلَّق بالوصف منفيٌّ عند انتفائهِ عند من يقول بالمفهوم، والشَّرط أقوى من الوصفِ، ويتأكَّد القول بالوجوب بأنَّ الأصلَ تحريم الميتة وما أذن فيه منها يُراعى صفته، فالمسمَّى عليه(4) وافق الوصف، وغير المسمَّى عليه باقٍ على أصل التَّحريم.
          وفي قوله: إذا أرسلت اشتراطُ الإرسال للحلِّ. قال عديٌّ: (قُلْتُ): يا رسول الله (فَإِنْ أَكَلَ) الكلب من الصَّيد (قَالَ) ╕ ‼: (فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ) أي: الكلب (لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ) أي: لم يحبسْه لك.
          قال في «الأساس»: أمسكْ عليك زوجك، وأمسكت عليه ماله: حبستَه (إِنَّمَا أَمْسَكَ) الصَّيد (عَلَى نَفْسِهِ) بأكله منه (قُلْتُ: أُرْسِلُ) بضم الهمزة، وفي «اليونينيَّة» بفتحها (كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ) استرسل بنفسه، أو أرسله من ليس من أهل الذَّكاة (قَالَ) ╕ : (لَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى) كلبٍ (آخَرَ) ولأبي ذرٍّ وابنِ عساكرَ: ”على الآخر“. وهذا مذهبُ الجمهور وهو الرَّاجح من قولي الشَّافعيِّ. وفي القديم وهو قول مالك: يحلُّ؛ لحديث عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه _عند أبي داود_: أنَّ أعرابيًّا يقال له: أبو ثعلبة قال: يا رسول الله، إنَّ لي كلابًا / مكلَّبة، فأفتني في صيدها. قال: «كلْ ممَّا أمسكنَ عليك» قال: وإن أكلَ منه؟ قال: «وإن أكلَ منه» لكن في رجاله من تكلِّم فيه، فالمصيرُ إلى حديث عديٍّ المرويِّ في «الصحيحين» أولى، لا سيَّما مع اقترانهِ بالتَّعليل المناسبِ للتَّحريم، وهو خوف(5) الإمساك على نفسه المتأيِّد بأنَّ الأصل في الميتة التَّحريم، فإذا شككنَا في السَّبب المبيحِ رجعنا إلى الأصل وظاهر القرآن أيضًا، ولئن سلمنا صحَّته فهو محمولٌ على ما إذا أطعمَه صاحبهُ منه أو أكل منه بعدما قتله وانصرفَ، وسيكون لنا عودةٌ لذكر شيءٍ من هذهِ المسألة في «بابٌ: إذا أكلَ الكلبُ»، إن شاء الله تعالى.


[1] في (م): «حدثني».
[2] «الحديدة فقتلته»: ليست في (ص).
[3] في (د): «والحجر».
[4] في (د) هنا والموقع التالي: «عليها».
[5] في (م): «قول»، وفي (ب): «خلاف».