إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا واشتروا له بعيرًا

          2390- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك الطَّيالسيُّ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج قال: (أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ) بفتح لام «سلَمة»، وضمِّ كاف «كُهِيلٍ» مُصغَّرًا (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (بِبَيْتِنَا) أي: منزل سكننا، كذا في الفرع وغيره، ولأبوي ذرٍّ والوقت والأَصيليِّ: ”بمنًى“ أي: لمَّا حجَّ (يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : أَنَّ رَجُلًا) ولأحمد عن عبد الرَّزَّاق عن سفيان: جاء أعرابيٌّ، وفي «المعجم الأوسط» للطَّبرانيِّ ما يُفهِم أنَّه العرباض بن سارية، لكن روى النَّسائيُّ والحاكم الحديث المذكور، وفيه ما يقتضي أنَّه غيره، ولفظه عن عِرباضٍ: بعتُ من النَّبيِّ صلعم بكرًا، فأتيته أتقاضاه، فقال: «أجل، لا أقضيكها إلَّا النَّجيبة»، فقضاني فأحسن قضائي، وجاءه أعرابيٌّ يتقاضاه سنًّا... الحديث، وأخرجه ابن ماجه أيضًا عن العِرباض، فذكر قصَّة الأعرابيِّ، وأسقط قصَّة العِرباض(1)، فتبيَّن بهذا أنَّه سقط من رواية(2) الطَّبرانيِّ قصَّة الأعرابيِّ فلا يُفسَّر المبهم(3). (تَقَاضَى رَسُولَ اللهِ صلعم ) أي: طلب(4) منه قضاء دينٍ له عليه، ولأحمد: استقرض النَّبيُّ صلعم من رجلٍ بعيرًا (فَأَغْلَظَ لَهُ) بالتَّشدُّد(5) في المطالبة لا سيَّما وقد كان أعرابيًّا _كما مرَّ_ فقد جرى على عادته في الجفاء والغلظة في الطَّلب، وقيل: إنَّ الكلام الذي أغلظ فيه هو أنَّه قال: يا بني عبد المطَّلب، إنَّكم مُطْلٌ‼ وكَذَبَ، فإنَّه لم يكن في أجداده صلعم ولا في أعمامه من هو كذلك، بل هم أهل الكرم والوفاء، ويبعد أن يصدر هذا من مسلمٍ (فَهَمَّ أَصْحَابُهُ) صلعم ورضي عنهم، ولأبي ذرٍّ: ”فهمَّ به أصحابه“ ، أي: عزموا أن يؤذوه بالقول أو الفعل، لكنَّهم تركوا ذلك أدبًا معه صلعم (فَقَالَ) ╕ : (دَعُوهُ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا) أي: صولة الطَّلب وقوَّة الحجَّة، لكن مع مراعاة الأدب المشروع (وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا) وعند أحمد عن(6) عبد الرَّزَّاق: التمسوا له مثل سنِّ بعيره (فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، وَقَالُوا) ولأبي ذرٍّ: ”قالوا“ بإسقاط الواو (لَا نَجِدُ إِلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ) أي: فوق سنِّ بعيره (قَالَ: اشْتَرُوهُ) أي: الأفضل (فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ) والمخاطب بذلك أبو رافعٍ مولى رسول الله صلعم _كما في «مسلمٍ»_(7) (فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) أي: من خيركم(8)، كما سيأتي _إن شاء الله تعالى_ في «الهبة» [خ¦2606]: «فإنَّ من خيركم» _أو خيركم_ على الشَّكِّ، كما في بعض الأصول، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما فيه.
          وفي هذا الحديث ما ترجم له وهو استقراض الإبل ويلتحق بها جميع الحيوان(9)_كما مرَّ_ وهو قول مالكٍ والشَّافعيِّ والجمهور، ومنع ذلك الحنفيَّة؛ لحديث النَّهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، رواه ابن حبَّان والدَّارقُطنيُّ عن(10) ابن عبَّاسٍ مرفوعًا بإسنادٍ رجالُه ثقاتٌ إلَّا أنَّ الحفَّاظ رجَّحوا إرساله، وأخرجه / التِّرمذيُّ من حديث الحسن عن سَمُرة، وفي سماع الحسن من سمرة اختلافٌ، وقول الطَّحاويِّ: _إنَّه ناسخٌ لحديث الباب_ مُتعقَّبٌ بأنَّ النَّسخ لا يثبت بالاحتمال، وقد جمع الشَّافعيُّ ☼ بين الحديثين بحمل النَّهي على ما إذا كان نسيئةً من الجانبين. وحديث الباب قد مرَّ في «الوكالة» [خ¦2306] وهو من غرائب الصَّحيح، قال البزَّار: لا يُروَى عن أبي هريرة إلَّا بهذا الإسناد، ومداره على سلمة بن كُهَيلٍ، وقد صرَّح في هذا الباب بأنَّه سمعه من أبي سلمة، كما سبق، والله أعلم(11).


[1] في غير (ب) و(س): «الأعرابيِّ»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[2] في (ص): «قصَّة».
[3] زيد في (د): «بذلك».
[4] في (د1) و(ص) و(م): «يطلب».
[5] في (ب) و(س): «بالتَّشديد»، وفي (د): «بالطَّلب».
[6] «وعن أحمد عن»: ليس في (د).
[7] «كما في مسلمٍ»: ليس في (د).
[8] في (ب) و(م): «خياركم».
[9] في (د): «الحيوانات».
[10] في (م): «من»، وهو تحريفٌ.
[11] «والله أعلم»: مثبتٌ من (م).