إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بينما ثلاثة نفر يمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل

          2333- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي الوقت: ”حدَّثني“ (إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) الحزاميُّ‼ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ) بفتح الضَّاد المعجمة وسكون الميم، أنس بن عياضٍ قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ) بضمِّ العين المهملة وسكون القاف (عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ☻ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم (ثَلَاثَةُ نَفَرٍ) لم يُعرَف اسمهم، زاد الطَّبرانيُّ من حديث عقبة بن عامرٍ: «من بني إسرائيل» حال كونهم (يَمْشُونَ) وعند ابن حبَّان والبزَّار من حديث أبي هريرة والطَّبرانيِّ من حديث عقبة بن عامرٍ(1): أنَّهم خرجوا يرتادون لأهليهم(2) (أَخَذَهُمُ، المَطَرُ فَأَوَوْا) بقصر الهمزة (إِلَى غَارٍ) كائنٍ (فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ(3) صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ) وعند الطَّبرانيِّ من حديث النُّعمان بن بشيرٍ: «إذ وقع حجرٌ من الجبل ممَّا يهبط من خشية الله حتَّى سدَّ فم الغار» (فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً للهِ) بالنَّصب، صفةٌ لـ «أعمالًا»، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”خالصةً لله“ (فَادْعُوا اللهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ) بضمِّ المُثنَّاة التَّحتيَّة وفتح الفاء وتشديد الرَّاء مكسورةً، ولأبي ذرٍّ: ”يَفْرُجها“ بفتح التَّحتيَّة وسكون الفاء وضمِّ الرَّاء، ولأبي الوقت: ”يَفْرِجها“ كذلك، لكن بكسر الرَّاء (قَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ(4) شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ) بكسر الصَّاد، جمع صبيٍّ (صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ) غنمي (فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا) بفتح الهمزة (قَبْلَ بَنِيَّ) الصِّبية (وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ) بالخاء(5) المعجمة، وعند مسلمٍ من طريق أبي ضَمْرَة: «وإنِّي نأى بي ذات يومٍ الشَّجر»، أي: أنَّه استطرد مع غنمه في الرَّعي إلى أن بَعُد عن مكانه زيادةً على(6) العادة فلذلك استأخر (ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ) بالفاء، ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”ولم“ (آتِ) بهمزةٍ مفتوحةٍ ممدودةٍ، أي: لم أجئ (حَتَّى أَمْسَيْتُ) دخلت في المساء (فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”نائمين“ (فَحَلَبْتُ) الغنم (كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوْسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا) من نومهما، فيشقُّ ذلك عليهما (وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ) قبلهما (وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ) بالضَّاد والغين المعجمتين: يتصايحون بالبكاء بسبب الجوع (عِنْدَ قَدَمَيَّ) بفتح الميم وتشديد التَّحتيَّة، بلفظ التَّثنية (حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ) زاد من طريق سالمٍ عن أبيه: «فاستيقظا فشربا غَبُوقَهُما» [خ¦2272] (فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ) استُشكِل هذا من حيث إنَّ المؤمن يعلم قطعًا أنَّ الله تعالى يعلم ذلك، وأُجيب بأنَّه تردَّد في عمله ذلك هل له اعتبارٌ عند الله أم لا؟ فكأنَّه قال: إن كان عملي ذلك مقبولًا عندك (فَافْرُجْ) بهمزةٍ وصلٍ(7) مع ضمِّ(8) الرَّاء(9)، ولأبي الوقت(10): ”فأفرِج“ بقطع الهمزة وكسر الرَّاء (لَنَا فَرْجَةً)‼ بفتح الفاء في الفرع وأصله، وقال في «القاموس»: والفُـَـِرجة مُثلَّثةٌ (نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللهُ) بتخفيف الرَّاء وتُشدَّد، أي: كشف الله (فَرَأَوُا السَّمَاءَ، وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهَا) أي: القصَّة (كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ) الكاف زائدةٌ(11)، أو أراد تشبيه محبَّته بأشدِّ المحابِّ (فَطَلَبْتُ مِنْهَا) ما يطلب الرَّجل من المرأة، وهو الوطء (فَأَبَتْ حَتَّى) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”فأبت عليَّ حتَّى“ (أَتَيْتُهَا) بهمزةٍ مقصورةٍ ففوقيَّةٍ مفتوحةٍ وبعد التَّحتيَّة السَّاكنة فوقيَّةُ أُخرى، ولأبي ذرٍّ: ”آتِيها“ بمدِّ الهمزة وكسر الفوقيَّة وأسقط الأخرى (بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَبَغَيْتُ) بالموحَّدة وفتح الغين المعجمة وسكون التَّحتيَّة، أي: نظرت وطلبت، ولأبي الوقت: ”فتعِبْت“ بفوقيَّةٍ وعينٍ مهملةٍ مكسورةٍ فمُوحَّدةٍ ساكنةٍ، من التَّعب (حَتَّى جَمَعْتُهَا) وأعطيتها إيَّاها، وخلَّت بيني وبين نفسها (فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا) لأطأها (قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللهَ، وَلَا تَفْتَحِ الخَاتَمَ) أي: الفرج (إِلَّا بِحَقِّهِ) أي: لا يحلُّ لك أن تطأني إلَّا بتزويجٍ صحيحٍ، وبيَّن في رواية سالمٍ [خ¦2272] سبب إجابتها بعد امتناعها، فقال: «فامتنعت منِّي حتَّى ألمَّت بها سَنَةٌ _أي: سنةُ(12) قحطٍ_ فجاءتني»، وفي حديث النُّعمان بن بشيرٍ عند الطَّبرانيِّ: أنَّها تردَّدت إليه ثلاث مرَّاتٍ تطلب إليه شيئًا من معروفه ويأبى عليها إلَّا أن تمكِّنه / من نفسها، فأجابت في الثَّالثة بعد أن استأذنت زوجها فأذن لها، وقال لها: أغني عيالك، قال: فرجعت فناشدتني بالله فأبيت عليها، فأسلمت إليَّ نفسها، فلمَّا كشفتها ارتعدت من تحتي، فقلت: ما لك؟ فقالت: أخاف الله ربَّ العالمين، فقلت: خفتيه في الشِّدَّة، ولم أخفه في الرَّخاء (فَقُمْتُ) أي: وتركتها والذَّهبَ الذي أعطيتها (فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ) وفي «ذكر بني إسرائيل» [خ¦3465]: «فإن كنت تعلم أنِّي فعلت ذلك من خشيتك»، وفي الطَّبرانيِّ عن عليٍّ: «من مخافتك وابتغاء مرضاتك» (فَافْرُجْ) بهمزة وصلٍ وضمِّ الرَّاء (عَنَّا فُـَـِرْجَةً) بفتح الفاء وتُضَمُّ وتُكسَر، لم يقل في هذه: نرى منها السَّماء (فَفَرَجَ) حُذِف الفاعل للعلم به، أي: ففرج الله. (وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا) واحدًا، وفي رواية سالمٍ [خ¦2272]: «أجراء» (بِفَرَْقِ أَرُزٍّ) بفتح الفاء(13) والرَّاء بعدها قافٌ، وقد تُسكَّن الرَّاء، قال في «القاموس»: مكيالٌ بالمدينة يسع ثلاثة آصُعٍ، أو يسع ستَّة عشر رطلًا، و«الأرزُّ» فيه ستُّ لغاتٍ: فتح(14) الألف وضمُّها مع ضمِّ الرَّاء وتُضَمُّ الألف مع سكون الرَّاء وتخفيف الزَّاي وتشديدها، والرِّواية هنا: بفتح الهمزة وضمِّ الرَّاء وتشديد الزَّاي (فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ) الذي استأجرته عليه‼ (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال“ : (أَعْطِنِي) بهمزة قطعٍ مفتوحةٍ (حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ) أي: حقَّه (فَرَغِبَ عَنْهُ) ولم يأخذه (فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ) بالجزم (حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ورعاتها“ (فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ، فَقُلْتُ) ولأبي الوقت(15): ”قلت“ : (اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ) بالتَّذكير باعتبار اللَّفظ، وللمُستملي: ”إلى تلك“ (البَقَرِ وَرُعَاتِهَا) بالجمع (فَخُذْ) بإسقاط ضمير المفعول (فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي) بالجزم على الأمر(16) (فَقُلْتُ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال“ وهو من باب الالتفات: (إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَخُذْ) بإسقاط الضَّمير أيضًا (فَأَخَذَهُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ) عنَّا (مَا بَقِيَ) من الصَّخرة (فَفَرَجَ اللهُ) أي: عنهم وخرجوا يمشون.
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البخاريُّ: (وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ) ولأبي ذرٍّ: ”وقال إسماعيل بن عقبة“ ، وفي نسخةٍ: ”وقال إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة“ ، أي: في روايته، وفي الفرع وأصله كنسخة الصَّغانيِّ: ”وقال إسماعيل“ ، أي: ابن أبي أويسٍ، ”وقال ابن عقبة“ (17) (عَنْ نَافِعٍ: فَسَعَيْتُ) بالسِّين والعين المهملتين بدل قوله في رواية عمِّه موسى بن عقبة: ”فبغيت“ ، وهذا التَّعليق عن إسماعيل بن عقبة وصله المؤلِّف في «باب إجابة(18) دعاء من برَّ والديه» من «كتاب الأدب» [خ¦5974] وهذه الرواية: عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة هي الصَّواب، وأمَّا ما وقع في نسخة أبي ذرٍّ: ”وقال إسماعيل: عن ابن عقبة، عن نافعٍ“ فهو وهمٌ؛ لأنَّ إسماعيل هو ابن إبراهيم بن عقبة ابن أخي موسى بن عقبة، نبَّه عليه الجيَّانيُّ. وأمَّا موضع التَّرجمة من الحديث ففي قوله: «فعرضت عليه حقَّه فرغب عنه...» إلى آخره، قال ابن المُنيِّر: لأنَّه قد عيَّن له حقه ومكَّنه منه، فبرئت ذمَّته بذلك، فلمَّا تركه وضع المستأجر يده عليه وضعًا مستأنفًا، ثمَّ تصرَّف فيه(19) بطريق الإصلاح لا بطريق التَّضييع، فاغتُفِر ذلك، ولم يُعَدَّ تعدِّيًا(20) يوجب المعصية، ولذلك توسَّل به إلى الله ╡، وجعله من أفضل أعماله، وأُقرَّ على ذلك، ووقعت الإجابة له به، ومع ذلك فلو هلك الفَرَْقُ لكان ضامنًا له إذ لم يُؤذَن له في التَّصرُّف فيه، فمقصود التَّرجمة إنَّما هو خلاص الزُّرَّاع من المعصية بهذا القصد، ولا يلزم من ذلك رفع الضَّمان؛ كذا(21) نقله عنه في «فتح الباري»، وتبعه في «عمدة القاري»، وهو متعقَّبٌ لما قاله ابن المُنيِّر أيضًا في «باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي» من «كتاب البيوع» [خ¦2215] حيث قال هناك: فانظر في الفَرَْقِ من الذرة هل ملكه الأجير أو لا؟ والظَّاهر أنَّه لم يملكه؛ لأنَّه لم يستأجره بفرقٍ مُعيَّنٍ، وإنَّما استأجره بفرقٍ على(22) الذِّمَّة، فلمَّا عرض عليه أن يقبضه امتنع، فلم يدخل في ملكه ولم يتعيَّن له، وإنَّما حقُّه في ذمَّة‼ المستأجر، وجميع ما نتج(23) إنَّما نتج على ملك المستأجر، وغاية ذلك أنَّه أحسن القضاء فأعطاه حقَّه وزياداتٍ كثيرةً. هذا كلامه. وهو مخالفٌ لما قرَّره هنا قطعًا، ويحتمل أن يُقال: إنَّ توسُّله بذلك إنَّما كان لكونه أعطى الحقَّ الذي عليه مضاعفًا لا بتصرُّفه؛ كما أنَّ الجلوس بين رجلي المرأة كان معصيةً، لكنَّ التَّوسُّل لم يكن إلَّا بترك الزِّنا والمسامحة بالمال ونحوه.
          وهذا / الحديث يأتي _إن شاء الله تعالى_ في «ذكر بني إسرائيل» [خ¦3465]، وقد أخرجه البزَّار والطَّبرانيُّ بإسنادٍ حسنٍ عن النُّعمان بن بشيرٍ: أنَّه سمع النَّبيَّ صلعم يذكر الرَّقيم قال: «انطلق ثلاثةٌ فكانوا في كهفٍ، فوقع الجبل على باب الكهف فأُوصِد(24) عليهم...» الحديث، ففيه أنَّ الرَّقيم المذكور في قوله تعالى. {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ}[الكهف:9] هو الغار الذي أصاب فيه الثَّلاثة ما أصابهم، والله أعلم.


[1] «بن عامرٍ»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[2] في (د) و(د1) و(م): «لأهلهم».
[3] في (م): «الغار»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[4] في (د): «أبوان»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[5] في (د): «بفتح».
[6] في (د): «عن».
[7] في (م): «قطعٍ مفتوحةٍ»، وليس بصحيحٍ.
[8] «ضمِّ»: ليس في (ص).
[9] زيد في (د) و(ص) و(ل) و(م): «كذلك».
[10] في (د): «ذرٍّ».
[11] في غير (د): «زائدٌ».
[12] «أي: سنة»: مثبتٌ من (س).
[13] في (د): «الرَّاء»، ولعلَّه تحريفٌ.
[14] في (د): «بفتح».
[15] في (د): «ذرٍّ»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[16] في (د): «النَّهي»، وكلاهما صحيحٌ.
[17] قوله: «وفي الفرع وأصله كنسخة الصَّغانيِّ... وقال ابن عقبة»: ليس في (م).
[18] زيد في (د1) و(ص): «من»، وضُبِّب عليها في (م).
[19] في (م): «منه»، وهو تحريفٌ.
[20] في (ص): «ما».
[21] «كذا»: ليس في (د).
[22] في (د): «في».
[23] في (د): «ينتج»، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[24] في (د): «فأرصد»، وهو تحريفٌ.