إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب من أحيا أرضًا مواتًا

          ░15▒ (بابُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا) غير معمورةٍ في الإسلام، أو عُمِرت جاهليَّةً، ولا هي حريمٌ لمعمورٍ بالزَّرع أو الغرس أو السَّقي أو البناء(1)، فهي له، وسُمِّيت مواتًا تشبيهًا لها بالميتة لغير المنتفع بها، ولا يُشترَط في نفي العمارة التَّحقُّق بل يكفي عدم تحقُّقها، بألَّا يُرى أثرها ولا دليل عليها من أصول شجرٍ ونهرٍ وجُدُرٍ وأوتادٍ ونحوها (وَرَأَى ذَلِكَ) أي: إحياء الموات (عَلِيٌّ) هو ابن أبي طالبٍ ☺ (فِي أَرْضِ الخَرَابِ بِالكُوفَةِ) قال في «الفتح»: كذا وقع للأكثر، وفي رواية النَّسفيِّ: ”في أرضٍ بالكوفة مواتًا“ ، والذي في «اليونينيَّة»(2): ”في أرض الخراب بالكوفة مواتٌ“ لكنَّه رقم على قوله: ”في أرضٍ“ علامة السُّقوط من غير عزوٍ لأحدٍ، وعلى ”موات“ علامة السُّقوط أيضًا لأبي ذرٍّ، وفي نسخةٍ مقروءةٍ على الميدوميِّ: ”بالخراب(3) مواتٌ بالكوفة“ ، لكنَّه رقم على ”موات“ علامة السُّقوط من غير عزوٍ(4) لأحدٍ(5). (وَقَالَ عُمَرُ) بن الخطَّاب ☺ فيما(6) وصله مالكٌ في «المُوطَّأ»: (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً) بتشديد الياء (فَهْيَ لَهُ) بمُجرَّد الإحياء، سواءٌ أذن له الإمام أم لا اكتفاءً بإذن الشَّارع ╕ ، وهذا مذهب الشَّافعيِّ وأبي يوسف ومحمَّدٍ، نعم يُستحَبُّ استئذانه خروجًا من خلاف أبي حنيفة، حيث قال: ليس له أن يحيي مواتًا مطلقًا إلَّا بإذنه (وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ) بضمِّ العين، أي: ابن الخطَّاب (وابْنِ عَوْفٍ) عمرو بن يزيد(7) المزنيِّ الصَّحابيِّ، وهو غير عمرو بن عوفٍ الأنصاريِّ البدريِّ، والواو في قوله: «وابن عوفٍ»(8) عاطفةٌ، وفي بعض النُّسخ المعتمدة، وهي التي في «الفرع» و«أصله»(9): ”عن عَمْرو بن عوفٍ“ بفتح العين وسكون الميم وبالواو وإسقاط ألف «ابن»، وصحَّح هذه الكِرمانيُّ، وقال الحافظ ابن حجرٍ: إنَّ الأولى(10) تصحيفٌ، ويؤيِّده قول التِّرمذيِّ في «باب ذكر من أحيا أرض الموات»، وفي الباب عن جابرٍ، وعمرو بن عوفٍ المزنيِّ جدِّ كثيرٍ، وسَمُرَة. وقول الكِرمانيِّ: _وابن / عوفٍ، أي: عبد الرَّحمن_ ليس بصحيحٍ، كما قاله العينيُّ كغيره(11) (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أي: مثل حديث عمر هذا، وهذا وصله ابن أبي شيبة في «مسنده» (وَقَالَ) أي: عمرو بن عوفٍ، أي(12): زاد على قوله: «من أحيا أرضًا ميتةً» قولَه(13): (فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ) فإن كان(14) فيه حرم التَّعرُّض لها بالإحياء وغيره إلَّا بإذنٍ شرعيٍّ؛ لحديث الصَّحيحين [خ¦3198]: «من أخذ شبرًا من الأرض(15) ظلمًا فإنَّه يُطوَّقه من سبع أرضين»، ولو كان بالأرض أثر عمارةٍ جاهليَّةٍ لم يُعرَف مالكها، فللمسلم تملُّكها بالإحياء وإن لم تكن مواتًا كالرِّكاز، ولحديث: «عاديُّ الأرض لله ولرسوله، ثمَّ هي لكم منِّي»، أي(16): أيُّها المسلمون، رواه الشَّافعيُّ(17)، ولو كان بها أثر عمارةٍ إسلاميَّةٍ فأمرها إلى(18) الإمام‼ في حفظها أو بيعها وحفظ ثمنها إلى ظهور مالكها من مسلمٍ أو ذمِّيٍّ كسائر الأموال الضَّائعة، وإن أحيا ذمِّيٌّ أرضًا ميتةً بدارنا ولو بإذن الإمام نُزِعت منه، فلا يملكها لما فيه من الاستعلاء، ولحديث الشَّافعيِّ السَّابق، ولا أجرة عليه؛ لأنَّ الأرض ليست ملك أحدٍ، وقال الحنفيَّة والحنابلة: إذا أحيا مسلمٌ أو ذمِّيٌّ أرضًا لا ينتفع بها، وهي بعيدةٌ إذا صاح من أقصى العامر لا يسمع بها صوته مَلَكَها (وَلَيْسَ لِعِرْقٍ) بكسر العين وسكون الرَّاء والتَّنوين (ظَالِمٍ) نعتٌ له، أي: من غرس غرسًا في أرض غيره بغير إذنه فليس له (فِيهِ حَقٌّ) أي: في الإبقاء فيها، قال النَّوويُّ في «تهذيب الأسماء واللُّغات»: واختار الإمامان الشَّافعيُّ ومالكٌ تنوين «عرقٍ»، وعبارة الشَّافعيِّ: العرق الظَّالم كلُّ ما احتُفِر أو بُنِي أو غُرِس ظلمًا في حقِّ امرئٍ تعيَّن خروجه منه، وقال مالكٌ: كلُّ ما احتُفِر أو غُرِس أو أُخِذ بغير حقٍّ، وقال الأزهريُّ: قال أبو عبيدٍ: العرق الظَّالم أن يجيء الرَّجل إلى أرضٍ قد أحياها رجلٌ قبله، فيغرس فيها غرسًا، وقال القاضي عياضٌ: أصله: في الغرس يغرسه في الأرض غير ربِّها ليستوجبها به، وكذلك ما أشبهه من بناءٍ أو استنباطٍ، أو استخراج معدنٍ، سُمِّيت عروقًا، لشبهها في الإحياء بعرق الغرس. انتهى. وقال في «النِّهاية»: وهو على حذف مضافٍ، أي: ليس لذي عرقٍ ظالمٍ، فَجَعَلَ العِرْقَ نفسَه ظالمًا والحقَّ لصاحبه، أو يكون الظَّالم من صفة صاحب العِرْق، وقال ابن شعبان في «الزَّاهي»: العروق أربعةٌ: عرقان ظاهران، وعرقان باطنان، فالظَّاهران: البناء والغراس، والباطنان: الآبار والعيون، وفي بعض الأصول: ”وليس لعرقِ ظالمٍ“ بترك التَّنوين فقط على الإضافة، وحينئذٍ فيكون الظَّالم صاحب العرق، وهو الغارس، وسُمِّي ظالمًا؛ لأنَّه تصرَّف في ملك الغير بلا استحقاقٍ، وهذا التَّعليق وصله إسحاق ابن رَاهُوْيَه فقال: حدّثنا أبو عامرٍ العقديُّ عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوفٍ: حدَّثني أبي: أنَّ أباه حدَّثه: أنَّه سمع النَّبيَّ صلعم يقول: «من أحيا أرضًا مواتًا من غير أن تكون حقَّ مسلمٍ فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ»، وكثيرٌ هذا ضعيفٌ، وليس لجدِّه عمرو بن عوفٍ في «البخاريِّ» سوى هذا الحديث، وله شاهدٌ قويٌّ، أخرجه أبو داود من حديث سعيد بن زيدٍ (وَيُرْوَى فِيهِ) أي: في هذا الباب (عَنْ جَابِرٍ) هو ابن عبد الله الأنصاريّ ☺ ، ممَّا أخرجه التِّرمذيُّ من وجهٍ آخر عن هشامٍ وصحَّحه (عَنِ النَّبِيِّ صلعم )‼ ولفظه «من أحيا أرضًا ميتةً فهي له»، وإنَّما عبَّر بلفظ «يُروَى» المفيد للتَّمريض لأنَّه اختُلِف فيه على هشامٍ.


[1] قوله: «بالزَّرع أو الغرس أو السَّقي أو البناء» ليس في (د)، وجاء في (م) بعد قوله: «المنتفع بها» الآتي.
[2] في (د) و(م): «الفرع».
[3] في (م): «في الخراب».
[4] في (د): «عزوه».
[5] «لأحدٍ»: ليس في (م).
[6] في (د): «ممَّا».
[7] في «الفتح» و«العمدة»: «عمرو بن عوف بن يزيد».
[8] في (م): «كذا في «الفرع»: عمر؛ بدون الواو، وبعدها» بدلًا من قوله: «والواو في قوله: ابن عوفٍ».
[9] «وهي التي في «الفرع» و«أصله»»: ليس في (م).
[10] في (د1) و(م): «الأوَّل».
[11] في (ب) و(س): «وغيره».
[12] «أي»: ليس في (ص).
[13] قوله: «أي: زاد على قوله: «من أحيا أرضًا ميتةً» قوله» ليس في (م).
[14] في (د): «كانت».
[15] في (ب) و(د) و(س): «أرضٍ»، والمثبت موافقٌ لما في «الصَّحيح».
[16] «أي»: ليس في (م).
[17] زيد في (ب) و(س): «☺».
[18] في (ب): «أنِّي»، وهوتحريفٌ.