إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خرجًا معلومًا

          2330- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة (قَالَ عَمْرٌو) هو ابن دينارٍ: (قُلْتُ لِطَاوُسٍ: لَوْ تَرَكْتَ المُخَابَرَةَ) وهي _كما مرَّ_ العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل، وجواب «لو» محذوفٌ تقديره: لكان خيرًا، أو «لو» للتَّمنِّي فلا تحتاج إلى جواب(1) (فَإِنَّهُمْ) أي: رافع بن خديج وعمومته، والثَّابت بن الضَّحَّاك، وجابر بن عبد الله ومن روى منهم، والفاء للتَّعليل (يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ) أي: يقولون: إنَّه ( صلعم نَهَى عَنْهُ) أي: عن الزَّرع على طريق المخابرة (قَالَ) طاوسٌ: (أَيْ عَمْرُو(2)) يعني: يا عمرو (إِنِّي) ولأبي ذرٍّ: ”فإنِّي“ (أُعْطِيهِمْ) بضمِّ الهمزة من الإعطاء (وَأُغْنِيهِمْ) بضمِّ الهمزة وسكون الغين المعجمة، من الإغناء، وفي روايةٍ(3): ”وأُعِينهم“ بضمِّ(4) الهمزة وكسر العين المهملة وبعدها تحتيَّةٌ ساكنةٌ، من الإعانة، كذا للمُستملي والحَمُّويي كما في «فتح الباري»(5)، وتبعه في «عمدة القاري»(6)، وكذا هي(7) في الأصل المقروء على الميدوميِّ، وصوَّب الحافظ ابن حجرٍ الثَّانية، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ _كما في الفرع وأصله_: ”وأُعْنِيهم“ بضمِّ الهمزة(8) وسكون العين المهملة وكسر النُّون(9) بعدها تحتيَّةٌ ساكنة، فليُنظَر(10). (وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ) أي: الذين يزعمون أنَّه صلعم نهى عن ذلك (أَخْبَرَنِي _يَعْنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ ☻ _ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم لَمْ يَنْهَ عَنْه) أي: عن الزَّرع على طريق المخابرة، ولا يُقال: هذا يعارض النَّهي‼ عنه؛ لأنَّ النَّهي كان فيما يشترطون فيها شرطًا فاسدًا، وعدمَه فيما لم يكن كذلك، أو المراد بالإثبات: نهي التَّنزيه، وبالنَّفي: نهي التَّحريم (وَلَكِنْ قَالَ) ╕ : (أَنْ) بفتح الهمزة وسكون النُّون (يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ) بفتح أوَّل «يَمنحَ» وآخره، ولأبي ذرٍّ: ”إنْ“ بكسر الهمزة وسكون النُّون ”يَمْنَحْ“ بفتح أوَّله وسكون آخره، وقول الحافظ ابن حجرٍ: _إنَّ(11) الأولى تعليليَّةٌ، والأخرى شرطيةٌ_ تعقَّبه العينيُّ، فقال: ليس كذلك، بل «أن» بفتح الهمزة مصدريَّةٌ، ولام الابتداء مُقدَّرةٌ قبلها، والمصدر المضاف إلى «أحدكم» مبتدأٌ، خبرُه قوله: «خيرٌ له»، وقد جاء «أن» بالفتح بمعنى: «إن» بالكسر / الشَّرطيَّة، فحينئذٍ «يمنحْ» مجزومٌ(12) به، وجواب الشَّرط: «خيرٌ»، لكن فيه حذفٌ تقديره: فهو خيرٌ له، وقول الزَّركشيِّ: _وفي «يُمنَـِح» بفتح النُّون وكسرها مع ضمِّ أوَّله، فإنَّه يُقال: منحته وأمنحته، إذا أعطيته_ لم أقف عليه في شيءٍ من نسخ البخاريِّ كذلك، والله أعلم، وقد وقع في رواية الطَّحاويِّ: «لَأَنْ يمنحَ أحدُكم أخاه أرضَه خيرٌ له»(13) (مِنْ أَنْ يَأْخُذَ) أي: من أخذه (عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا) أي: أجرة معلومة.
          ومناسبة هذا الحديث للباب السَّابق من جهة أنَّ فيه للعامل جزءًا معلومًا، وهنا لو ترك مالك الأرض هذا الجزء للعامل كان خيرًا له من أن يأخذه منه، وفيه: جواز أخذ الأجرة؛ لأنَّ الأولويَّة لا تنافي الجواز.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «المزارعة» [خ¦2342] و«الهبة» [خ¦2634]، ومسلمٌ وأبو داود في «البيوع»، والتِّرمذيُّ وابن ماجه في «الأحكام»، والنَّسائيُّ في «المزارعة».


[1] في (م): «لجوابٍ».
[2] في (م): «عمر»، وهو تحريفٌ، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[3] في (د) و(م): «وللكُشْمِيهَنيِّ»، وكذا في «اليونينيَّة».
[4] في (م): «بفتح»، وهو خطأٌ.
[5] في (د) و(م): «كذا في الفرع، فتكون الأولى للمُستملي والحَمُّويي، لكن في «فتح الباري»».
[6] زيد في (د) و(م): «أنَّها للكشميهنيِّ عكس ما في الفرع».
[7] «هي»: ليس في (ص).
[8] في (ج) و(ل): «بفتح الهمزة».
[9] «المهملة وكسر النُّون»: ليس في (ص).
[10] قوله: «ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ كما في الفرع... فليُنظَر» سقط من (م)، ولم أقِف على هذه الرِّواية في المصادر، فلعلَّ ثَمَّة خلطًا، فليُحرَّر.
[11] «إنَّ»: ليس في (د).
[12] في (ص) و(م): «مجزومًا»، ولا يصحُّ.
[13] قوله: «وقد وقع في رواية الطَّحاويِّ: لَأَنْ يمنحَ أحدُكم أخاه أرضَه خيرٌ له» ليس في (د) و(م).