الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب القنوت قبل الركوع وبعده

          ░7▒ (باب: القُنُوت قَبْلَ الرُّكُوع وبَعْدَه)
          قال الحافظ: قال ابن المنيِّر: أثبت بهذه التَّرجمة مشروعيَّة القنوت، إشارة إلى الرَّدِّ على مَنْ رُوي عنه أنَّه بدعة كابن عمر، ولم يقيِّده في التَّرجمة بصبح ولا غيره مع كونه مقيَّدًا في بعض الأحاديث بالصُّبح، وأوردها في أبواب الوتر أخذًا مِنْ إطلاق أنس، كذا قال: ويظهر لي أنَّه أشار بذلك إلى قوله في الحديث الرَّابع: (كان القنوت في الفجر والمغرب) لأنَّه ثبت أنَّ المغرب وتر النَّهار، فإذا ثبت القنوت فيها ثبت في وتر اللَّيل بجامعِ ما بينهما مِنَ الوِتْرِيَّة(1). انتهى.
          قلت: لكنَّ الظَّاهر مِنْ صنيع الإمام البخاريِّ أنَّه قائل بقنوت الوتر، وليس بقائل بدوام القنوت في الفجر، ولذا أورد الباب في أبواب الوتر، ولم يورده في أبواب الفجر مع كون الرِّواية المصرِّحة بقنوت الفجر عنده، وأثبته بحديث أنس كما سيأتي في كلام الشَّيخ، فإنَّ قنوت الفجر الَّذِي كان بعد الرُّكوع كان في شهر فقط، فأيُّ قنوت كان قبل الرُّكوع الَّذِي لم يقيِّده بزمان؟ فتأمَّل. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: أمَّا القنوت في الفجر فكان في النَّازلة، ولا حاجة إلى القول بنسخه، بل هو معمول عند النَّازلة، فلا ينافي مذهبنا لو ورد في شيء مِنَ الرِّوايات أنَّه صلعم / دام على قنوته في الفجر وبعد الرُّكوع إلى آخر أيَّام حياته لأنَّا نقول كذلك إذا نزلت بالمسلمين نازلة، ثمَّ إنَّ رواية أنس ☺ هذه مصرِّحة بما اختاره الأحناف، فإنَّه لما سُئل عن القنوت في الصُّبح أجاب عنه بأنَّه بعد الرُّكوع، ثمَّ لمَّا سأله آخر وأطلق السُّؤال عن التَّقييد بشيء مِنَ الصَّلوات، كان الظَّاهر منه السُّؤال عمَّا هو المعمول دائمًا، فأجاب أنَّه قبل الرُّكوع وهو قنوت الوتر المعمول به في كلِّ سنَّة، فاعترض السَّائل على أنس بما أجاب به أوَّلًا أنَّه بعد الرُّكوع فقال: كذب، فعلم بتصريح أنس هاهنا أنَّ قنوت الفجر الَّذِي هو بعد الرُّكوع كان لعارض(2)، والدَّوام إنَّما هو على قنوت الوتر الَّذِي هو قبل الرُّكوع والله أعلم. انتهى.
          وفي «هامشه»: اختلف العلماء في القنوت في عدَّة مسائل، الشَّهيرة منها أربعة:
          الأولى: اختلافهم في قنوت الوتر، هل يقرأ أم لا؟ فمنعه مالك، وأجازه الشَّافعيُّ في أحد قوليه في النِّصف الآخر مِنْ رمضان، وعند الحنفيَّة والحنابلة يكون في جميع السَّنَة.
          والثَّانية: اختلافهم في قنوت غير الوتر، فمشروع عند الشَّافعيَّة والمالكيَّة في الفجر خاصةً في جميع السَّنة، وعند الحنفيَّة والحنابلة مشروع عند النَّازلة.
          والثَّالثة: اختلافهم في محلِّه، فعند الشَّافعيَّة والحنابلة بعد الرُّكوع مطلقًا، وعند المالكيَّة قبله مطلقًا، وأما عند(3) الحنفيَّة فقنوت الوتر قبل الرُّكوع، وقنوت الفجر بعد الرُّكوع.
          والرَّابعة: اختلافهم في ألفاظ القنوت، وهو مبسوط في الفروع. انتهى مختصرًا.
          ثمَّ براعة الاختتام سكت عنه الحافظ، والظَّاهر عندي أنَّه في قوله: (يدعو على رِعْل وذَكْوَان).


[1] فتح الباري:2/490
[2] في (المطبوع): ((العارض)).
[3] في (المطبوع): ((عندنا)).