الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما يكره من التمني

          ░6▒ (باب: مَا يُكرَه مِنَ التَّمنِّي...) إلى آخره
          قالَ ابنُ عطية: يجوز تمنِّي ما لا يتعلَّق بالغير، أي: ممَّا يُباح، وعلى هذا فالنَّهي عن التَّمنِّي مخصوصٌ بما يكون داعية إلى الحسد والتَّباغُض، وعلى هذا يُحمَل قول الشَّافعيِّ: لولا أنَّا نأثم بالتَّمنِّي لتمنَّينا أن يكون كذا، ولم يُرِدْ أنَّ كلَّ التَّمنِّي يحصل به الإثم. انتهى مِنَ «الفتح».
          وفيه أيضًا قالَ النَّوويُّ: في الحديث التَّصريح بكراهة تمنِّي الموت لضُرٍّ نَزَل به مِنْ فَاقَة أو مِحنة بعدها ونحوه(1) مِنْ مشاقِّ الدُّنْيا، فأمَّا إذا خَافَ ضَرَرًا أو فِتْنَةً في دينه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث، وقد فعلَه خلائقُ مِنَ السَّلفِ لذلك(2) وفيه: أنَّ مَنْ خَالَف فلم يصبر على الضُّرِّ وتمنَّى الموت لضُرٍّ نزل به فليقل الدُّعاء المذكور: ((اللَّهمَّ أَحْيِيني ما كانت الحياة خيرًا لي...)) الحديث.
          قالَ الحافظُ: ظاهر / الحديث المنعُ مطلقًا، والاقتصار على الدُّعاء مطلقًا، لكنَّ الَّذِي قاله الشَّيخ لا بأس به لمن وقع منه التَّمنِّي ليكون عونًا له على ترك التَّمنِّي. انتهى.
          وأورد الحافظ هاهنا على المطابقة حيث قال: ذكر فيه ثلاثة أحاديث كلُّها في الزَّجر عن تمنِّي الموت، وفي مناسبة هذه الآية غموضٌ، إلَّا إن كان أراد أنَّ المكروه مِنَ التَّمنِّي هو جنس ما دلَّت عليه الآية وما دلَّ عليه الحديث... إلى آخر ما ذكر.
          قلت: والإيراد المذكور وارد لو جعلت الآية جزءًا للتَّرجمة، وحاصل ما أجاب به الحافظ بجعل الآية مثبتةً للتَّرجمة لا جزءًا منها، فالتَّرجمة (ما يُكرَه مِنَ التَّمنِّي) ثمَّ بعد ذلك أشار الإمام البخاريُّ إلى بعض أنواعه بالآية الكريمة، وإلى بعض أنواعه بالرِّوايات.


[1] في (المطبوع): ((محنة بعدو أو نحوه)).
[2] في (المطبوع): ((بذلك)).