الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر

          ░3▒ (باب: تحرِّي ليلة القَدْر في الوِتر مِنَ العشر الأواخر)
          قال الحافظ: في هذه التَّرجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القَدْر منحصرة في رمضان، ثمَّ في العشر الأخير، ثمَّ في أوتاره لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الَّذِي يدلُّ عليه مجموع الأخبار الواردة فيها.
          وقال في موضع آخر: وهو أرجح الأقوال، وصار إليه أبو ثور والمُزَنيُّ وابن خُزيمة وجماعة مِنْ علماء المذاهب(1). انتهى.
          قلت: وهو أرجح الأقوال عند الشَّافعيِّ وأحمد، ففي «الأوجز»، قال ابن قُدامة: قال أحمد: هي في العشر الأواخر في وترٌ مِنَ اللَّيالي لا تخطئ، إن شاء الله.
          وفي «شرح الإحياء»: قال المحامليُّ في «التَّجريد»: مذهب الشَّافعيِّ أنَّه تلتمس في جميع شهر رمضان، وآكده العشر الأواخر، وآكده ليالي الوتر مِنَ العشر الأواخر، والمشهور مِنْ مذهب الشَّافعيِّ اختصاصُها بالعشر الأواخر. انتهى مِنَ «الأوجز».
          قوله: (في تاسعةٍ تبقى...) إلى آخره، اختلفوا في معناه أيضًا على خمسة أقوال بُسطت في «الأوجز»:
          أحدها: أنَّ المراد بالتَّاسعة ليلةُ تسع وعشرين، وبالسَّابعة سبع وعشرين، فيكون المعنى: التمسوها في تاسعة تمضي مِنْ بعد العشرين، قال القاري: هذا هو الظَّاهر ورجَّحه الحافظ أيضًا.
          والثَّاني: أنَّ (تاسعة تبقى) هي اللَّيلة الثَّانية والعشرون، فإنَّها تاسعة مِنَ الأعداد الباقية، والرَّابعة والعشرون سابعة منها، وعلى هذا يكون معنى الحديث تاسعة مِنَ اللَّيالي الباقية، والعِداد يكون مِنَ الآخر على كون الشَّهر مِنَ الثَّلاثين، وتكون اللَّيالي كلُّها أشفاعًا.
          والثَّالث: هو القول الثَّاني إلَّا أنَّ العِداد مِنْ تسع وعشرين لكونه متيقَّنًا، فعلى هذا تكون تاسعة تبقى هي ليلة إحدى وعشرين، وعلى هذا المعنى تكون اللَّيالي كلُّها أوتارًا.
          الرَّابع: ما اختاره ابن عبد البرِّ أنَّ المراد بالتَّاسعة ليلة إحدى وعشرين، وكذلك البواقي كالقول الثَّالث إلَّا أنَّ المعنى عنده تاسعة تبقى بعد اللَّيلة الَّتِي تلتمس فيها، فعلى هذا يكون العِداد مِنْ ثلاثين، وتكون اللَّيالي كلُّها أوتارًا، وباعتبار المصداق هذا والَّذي قبله سواء، والاختلاف بينهما باعتبار معنى الحديث.
          والخامس: ما يظهر مِنْ كلام العينيِّ أنَّ المراد بالتَّاسعة ليلة إحدى وعشرين على نقصان الشَّهر، والثَّانية والعشرين على تمامه، يعني عمومه يتناول الصُّورتين معًا، قال: وهذا دالٌّ على الانتقال مِنْ وتر إلى شفع(2). انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».


[1] فتح الباري:4/265
[2] أنظر عمدة القاري:11/138