التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

معلق أصبغ: يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق

          5076- قوله: (وَقَالَ أَصْبَغُ) _بفتح الموحَّدة وبغين معجمة_ ابن الفرج.
          قوله: (أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ) هو أبو محمَّد عبد الله بن وهب المِصري الفِهري مولاهم، طُلِبَ للقضاء فحيَّز نفسه وانْقطع، تُوفِّيَ سنة سبعٍ وتسعين ومائة.
          قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي العَنَتَ) والعنت بالتَّحريك الحمل على المكروه، والعَنت الإثْم، والعنت الفجور والزِّنا، والعَنت كلُّ أمرٍ شاق، ذكره في «المنتهى» وفي «التَّهذيب»: الإعنات تكليف غير الطَّاقة، وقال ابْن الأنباريِّ: أصله التَّشديد، أي: أخاف الإثم والفجور والوقوع في أمر شاقٍّ.
          قوله: (فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ (1) بِمَا أَنْتَ لَاقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ) اختصَّ _بتخفيف الصَّاد المهملة المكسورة_ من الاختصاء، وهذا هو الأشبه بترجمة الباب؛ فإنَّ مُراد أبي هريرة مِن السُّؤال الاستئذان في الاختصاء، وهو مِن خصيت الفحل خصيًا _ممدودًا_ إذا سَلَلْتَ خصيته، وفي نسخةٍ ((فاختصر)) بالرَّاء مِن الاختصار، وهو ضدُّ التَّطويل في الكَلام، ولعلَّها أشبه لما رُوِيَ في هذا الحديث في غير هذا الباب ((فاقتصر)) والاقتصار نحو الاختصار. قال الطيبِيُّ: أي اقتصر على ما ذكرت لك وارضَ بقضاء الله، أو ذرْ ما ذكرته وامْضِ لشأنك واختصِ، فيكون تهديدًا. انتهى.
          وهكذا قال غيره: إنَّه ليس بإذن في الاختصاء بل هو توبيخٌ ولوم على استئذانه في قطع العضو من غير فائدة، كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}[الفرقان:40]، وكلمة (عَلَى) في قوله: ((فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ)) متعلِّقةٌ بمقدَّر، أي: اختصِ حال اسْتِعْلَائِكَ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ الكُلَّ بتقدير اللَّهِ، وقيل الواو في قوله: (فَاخْتَصِ أَوْ ذَرْ) للتَّسوية، ومعناه أنَّ الاقتصار على التَّقدير والتَّسليم له وتركه والإعراض عنه سواء، فإنَّ ما قُدِّرَ يكُنْ لا محالة مِن خيرٍ وشرٍّ، وما لم يُكتَبْ فلا حيلة ولا طريق إلى حصوله لك.
          تنبيه: في الحديث هنا اختصار، فإنَّه قال: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ وَأنا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَسَكَتَ، فقُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ، فقُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: ((يَا أَبَا هُرَيْرَةَ)) إلى آخره، وجوابه غير ظاهر بسؤاله، وقد رواه ابن وهب / في كتاب القدر بالبعث بهذا الإسناد، وقال فيه: (فأذن لي أن أختصي، قال: فسكت عنِّي حتَّى قلت ثلاث مرات؛ فقال: ((جفَّ القلم بما أنتَ لاق)) فسقطتْ هذه اللَّفظة في رواية البخاريِّ فبان لذلك أنَّ قوله: (فَاخْتَصِ) ليس على ظاهره مِن الأمر به أو تركه، وإنَّما المعنى: إن فعلت وإن لم تفعل فلا بدَّ منْ نفوذ القدر.
          واعلم أنَّ الواقع في الأصول: (وقال أصبغ أخبرني ابن وهب: عن يونس عن يزيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله) إلى آخره، وكذا ذكره أبو مسعود وخلف بلفظ: (وقال أصبغ) وخالف ذلك أبو نعيم والطَّرْقيُّ؛ فقالا: رواه البخاريُّ عن أصبغ، وقد وصله الإسماعيليُّ فرواه عن القاسم، قال: حَدَّثَنَا الرَّماديُّ، حَدَّثَنَا أصبغ به، وأصبغ هو ابن الفرج وهو ورَّاق بن وهب، ووقع في «كتاب الطَّرْقي» أصبغ بن يحمد، وهو منتقد، فليس في الكتب الستَّة أصبغ بن يحمد فاعلمه.


[1] صورتها في الأصل:((العلم)).