التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: الوليمة حق

          ░67▒ بَابٌ: الوَلِيمَةُ حَقٌّ.
          الطَّعام الَّذي للعرس، وهي مشتقَّة من الولم وهو الجمع، لأنَّ الزَّوجين يجتمعان، قاله الأزهري وغيره، وقال ابن الأعرابي: أصلها تمام الشيء واجتماعه، والفعل بها أولم.
          واعلم أنَّ ما ترجم به البخاريُّ الباب لفظ حديث أخرجه البيهقي عن أنس بن مالك مرفوعًا: ((الوليمة في أوَّل يوم حق، وفي الثاني معروف، وفي الثالث رياء وسمعة)) ثم قال: ليس بقوي، ورواه أبو الشيخ الأصبهاني من حديث مجاهد عن أبي هريرة عن رسول الله صلعم : ((الوليمة حقٌّ وسنَّة، فمن دُعِيَ فلم يُجِبْ فقد عصى الله ورسوله)).
          5172- قوله: (عَنْ أُمِّ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ (1): أَوْلَمَ النَّبِيُّ صلعم عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ) (صَفِيَّةَ) هذه بنت شيبة بن عثمان بن (2) طلحة العبدرية، مختلف في صحبتها، وكأنَّ أحاديثها مرسلة، روى لها أبو يعلى وحده. قال الدِّمياطيُّ: والصَّحيح رواية صفيَّة عن أزواج النَّبيِّ صلعم عن رسول الله. قال أبو الحسن: انفرد البخاريُّ بالإخراج لصفيَّة عن رسول الله، وهو من الأحاديث التي تُعَدُّ فيما أُخرِجَ من المراسيل، وقد اختُلِفَ في رؤيتها لرسول الله. وقال الحافظ البرقاني: إنَّها ليست بصحابيَّة، فحديثها مرسل، قال: ومن الرواة من غلط فيه، فقال: عن منصور بن صفية عن صفية بنت حيي عن رسول الله. ولمَّا ذكر الإسماعيلي هذا في «كتابه» قال: هذا غلط لا شكَّ فيه. ومنصور بن صفية هو ابن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن (3) طلحة بن أبي طلحة / عبد الله بن عبد العزَّى بن عثمان بن عبد الدَّار بن قصي بن كلاب العبدري الحجبي المكِّي. قال أبو حاتم: صالح الحديث، وكان خاشعًا بكاءً، قُتِلَ جدُّه الحارث كافرًا يوم أحد.
          قال أصحابنا وغيرهم: الضِّيافات ثمانية أنواع: الوليمة للعرس، والخُرس _بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وبالصاد والسين المهملتين_ للولادة، وسلامة المرأة من الطلق، والإعذار _بعين مهملة وذال معجمة وهمزة مكسورة_ للختان، والوكيرة _بفتح الواو_ للبناء، والنقيعة لقدوم المسافر، مأخوذة من النقع وهو الغبار، ثمَّ قيل المسافر يصنع الطَّعام، وقيل يصنعه له غيره. قال النَّوَوِيُّ: وهو الأظهر. انتهى.
          وصوَّبَ غيره الأول لقول الحليمي في كتاب الحج من «منهاجه»: ويُستحَبُّ للمسافر إذا رجع واستقر في منزله أن يُطعِمَ النَّاس، فعله الصالحون من سلف هذه الأمة، ثم ذكره عن ابن عمر وجماعة من التَّابعين، ويشهد له ما في «صحيح البخاري» عن جابر أنَّ النَّبيَّ صلعم لمَّا قدم المدينة نحر جزورًا أو بقرة.
          والوَضِيمة _بكسر الضاد المعجمة وفتح الواو_ الطَّعام (4) المتَّخذ عند المصيبة، والعقيقة يوم سابع الولادة، والمأدبة _بضم الدال المهملة وفتحها_ الطَّعام المتَّخذ ضيافة بلا سبب. وقال الأزهري: المأدبة كل طعام صُنِعَ لدعوة، وكذا قال القاضي أبو الطيب الطبري من أصحابنا في كتابه «المجرد» هذا ما في جادة كتب أصحابنا، وطعام الأملاك يُسمَّى الشُّندخي _بشين معجمة مضمومة وتفتح ونون بعدها دال مهملة تضم وتفتح ثم خاء معجمة_ مشتق من قولهم: فرس شندخ، وهو الذي يتقدَّم الخيل، لأنَّ هذا الطَّعام يتقدَّم العرس، وهذا ذكره الفقيه نجم الدين ابن الرفعة، وزاد غيره الحِذاق _بكسر الحاء المهملة_ وهو ما يُتَّخَذُ عند حِذق الصبي بالقرآن، أو عند ختمه له، ويُقَالُ ليوم ختمة القرآن: هذا يوم إحذاقه، وقد جمعت أسماء هذه الضِّيافات في أربعة أبيات فقلت:
إذا رمت أسماء الضيافات كلَّها                     فخذها على التخيير يا أيُّها القاري
وليمة عرس ثم خُرص ولادة                     وعَقٌّ لسبع والوكيرة للداري
حِذاق لختم ثم عود مسافر                     نقيعة أطلق والختان بإعذار
وضِيمة موت شندخي لمملك                     على زوجة خاف الوقيعة في العار
ومأدبة تأتي بلا سبب وقد أبنت                     لك الأسماء فاعرف لمقداري /
          وقوله: (حَقٌّ) أي: ثابت في الشرع أو واجب، على اختلاف في أنَّها سنَّة أو واجبة، والأصح أنَّها مستحبَّة، والأمر بها في الحديث محمول على النَّدب، وبه قال الأكثرون.


[1] في الأصل:((قال)).
[2] في الأصل:((من)).
[3] في الأصل:((من)).
[4] في الأصل:((والطعام)).