التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب بعث النبي أسامة بن زيد في مرضه الذي توفي فيه

          ░87▒ (بَابُ بَعْثِ النَّبِيِّ صلعم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ بن حارثة، فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ)
          يعني إلى الشَّام، وتقدَّم أنه صلعم أوصى بإنْفاذ جيش أسامة، وأنَّه صلعم توفي قبل خروج أسامة، وقصَّة أسامة أنَّ رسول الله صلعم أمر النَّاس أنَّ يتهيَّئوا لغزو الرُّوم في يوم الإثنين لأربع ليالي خلت مِن صَفر سنة إحدى عشرة مِن الهجرة، فلمَّا كان مِن الغد قال لأسامة: سِرْ إلى موضع مقتل أبيك فأوطِئْهم الجبل فقد وليتك هذا الجيش، فَأَغِرْ (1) صباحاً على أهل أبنى قرية عند مؤتة حيث قُتل أبوه زيد بن حارثة، وهي أرْض بالسَّراة ناحية البلقاء، وحرِّق / عليهم؛ فإن أظفرك الله فأقلل اللَّبث فيهم. فلمَّا كان يوم الأربعاء بُدء برسول الله صلعم وَجعُهُ، فحُمَّ وصُدع، فلمَّا كان يوم الخميس عقد لأسامة اللِّواء بيده، فلمَّا كان يوم السبت لعشر خلون مِن ربيع الأوَّل، ودَّع المسلمون النبيَّ صلعم ، ومضوا فعسكروا بالجرف، وثقل النبيُّ صلعم ، فجعل يقول: أنفذوا جيش أسامة. وكان فيهم وجوه المهاجرين والأنصار أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسعد وسعيد، فتكلَّم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام (2) على المهاجرين الأَوَّلين؟ _وكان إذ ذاك ابْن ثماني عشرة سنة حكاه في «الروض»_ فغضب رسول الله صلعم وقال: ((إنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ)) الحديثَ.
          فلمَّا كان يوم الأحد اشتدَّ وجعه صلعم ، فدخل أسامة مِن معسكره في اليوم الَّذي لُدَّ فيه صلعم وكان مغموراً، ثمَّ دخل يوم الإثنين وهو مفيق فقال له النبيُّ صلعم : اُعْدُ عَلى بركة الله، فودَّعه أسامة وخَرج وأَمَر النَّاس بالرَّحيل، فلمَّا أراد الرُّكوب إذا رَسول أمِّه أمِّ أيمن بركة قَد جاءه يقول: إنَّ رسول الله صلعم في النَّزع، فدَخل أسامة مع عمر وأبي عبيدة المدينة، فانْتهوا إلى رسول الله صلعم وهو في الموت، فتوفِّي صلعم شهيداً حِين زاغت الشَّمس مِن ذلك اليوم لاثنتي عشرة ليلة خلت مِن ربيع الأوَّل، ودُفن حين اشتدَّ الضُّحى، فلمَّا كان هلال ربيع الآخر خرج أسامة بعد البيعة لأبي بكر ☺، فسار إلى أهل أبْنى في عشرين ليلة، فأغار عليهم وقتل مَن استرق له وسَبى مَن قدر عليه، وقَتل قاتل أبيه، ورجع إلى المدينة فخرج الصِّدِّيق والمهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سُروراً بنصرهم وسَلامتهم.


[1] كذا في الأصل.
[2] في الأصل:((الكلام)) والمثبت الصواب والله أعلم.