التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب غزوة العشيرة أو العسيرة

          ░1▒ قوله: (غَزوَةُ العَشِيرِ أو العُشَيرَة) بضم العين المهملة وبشين معجمة مهملة وبإسكان المثناة مِن تحت، ويُقال بثبوت الهاء وحذفها، وهو موضع بقرب الينبع (1) سكنِ بني مُدْلِج، بينه وبين المدينة سبع بُرُد، قاله القرطبي في اختصاره للبخاري.
          وقال القاضي في «المشارق»: غزوة العسيرة _يعني بالسِّين المهملة_ غزوة تبوك، وأمَّا غزوة العشيرة _يعني بالشين المعجمة_ فغزوة بني مُدْلِج، قال: وسُمِّيت العسيرة _يعني بالمهملة_ لمشقَّة السفر فيها وعُسره على الناس لأنَّها كانت زمنَ الحرِّ، ووقت طيب الثِّمار ومُفارقة الظِّلال، وكانت في مفازة صعبة وشُقَّة بعيدة وعدوٍّ كثير، كما ذكر كلَّه كعب بن مالك.
          وقوله: (أَوِ العُشَيرَة) هو شكٌّ في أنَّها بإعجام الشين أو بإهمالها. وأمَّا قتادة بن دِعَامَةَ السَّدوسي الأكْمَه المفسِّر البصري فقطع بأنَّها معجمة، وقال النَّووي في كتاب المغازي في «صحيح البخاري»: (العُشَيرة) أي: بضم العين المهملة وفتح الشين المهملة، أو (العَسِير) بفتح العين وكسر السِّين وحذف الهاء، والمعروف فيها (العُشَيرة) بإعجام الشين وبالهاء.
          قال: واختُلف في غزواته صلعم ، فذكر ابن سعد أنَّها سبع وعشرون، وأخبر جابر بأنَّها إحدى وعشرون، وقال القاضي عياض: وقع لي في «البخاري»: (العَسِير)(2) بفتح العين وكسر السين المهملة وحذف الهاء، قال: والمعروف تصغيرها وبالشين المعجمة، وحُكي أيضاً ضم العين وفتح المهملة بغير هاء، ذكر ذلك الحاكم.
          قوله: (قالَ ابنُ إِسحاقَ: أَوَّلُ ما غَزا النَّبِي صلعم الأَبْواءُ) بفتح الهمزة وباء موحدة ساكنة ممدودة، قال القاضي: وهي قرية مِن عمل الفرع مِن أعمال المدينة، بينها وبين الجُحفة ممَّا يلي المدينة ثلاثةٌ وعشرون ميلاً، قال بعضهم: وإنَّما سُمِّيت بذلك للوباء الَّذي فيها، وهذا لا يصحُّ إلَّا على القلب، ولو كان كما قال لقيل: الأوباء.
          وبالأبواء توفِّيت أمُّ رسول الله صلعم وهناك قبرها، والصَّحيح أنها أنَّما سُمِّيت بذلك لتَبَوُّؤ السُّيول بها، قاله ثابت. ويُقال لها: ودَّان، وكانت غزوتها في صفر سنة اثنتين (3)، لاثنتي عشرة ليلة مضتْ منه، قاله ابن إسحاق، وكان استعمل على المدينة سعد بن عُبادة فيما ذكره ابن هشام، ووادَع رسول الله صلعم في الأبواء بني ضَمْرة.
          وابن إسحاق: هو محمَّد بن إسحاق بن يسار _بسين مهملة قبلَها مثناة مِن تحت مفتوحة_ المدني التابعي، صاحب «كتاب المغازي»، كنيته أبو بكر، وقيل: أبو عبد الله، إمام النَّاس في المغازي والسير، توفي ببغداد سنة خمسين ومئة، ودُفن بمقبرة الخيزران المعروفة الآن بمقبرة / الإمام أبي حنيفة.
          قوله: (ثُمَّ بُوَاطٌ) بضمِّ الباء الموحدة وفتحها، وتخفيف الواو، وبطاء مهملة، قال البكري: وإليها انتهى رسول الله صلعم في غزوته الثانية ولم يلقَ كَيداً، وذلك في ربيع الأوَّل سنة اثنتين. وقال الكِرْمَاني: في ربيع الآخر منها.
          وغزوته الأولى هي العُشيرة، وكانت في جمادى الأولى منها، وصالح فيها بني مُدْلِج، وأودع في الأبواء بني ضَمرة كما تقدَّم، ولم يكن في الثَّلاثة حرب.
          و(بُواط): جبل لجُهينة مِن ناحية رضوى، بينه وبين المدينة أربعة بُرُد.


[1] كذا في الأصل.
[2] في الأصل:((العشيرة)).
[3] في الأصل:((اثنين)).