التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: أحد يحبنا

          ░27▒ (بابٌ: أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنا وَنُحِبُّهُ. قالَهُ عَبَّاسُ بنُ سَهلٍ عَن أَبي حُمَيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم)
          هذا أخرجه فيما مضى مِن حديث عمرو بن يحيى عن عبَّاس به، ثمَّ قيل: (يُحبُّنَا) على حذف المضاف، أي أهلُه، وذلك مجاز، وأهلُه الأنْصار، أي: يحبُّنا أهلُه ونحبُّ أهلَه، ويجوز أن يكون مِن باب المجاز الصَّريح، أي: إنَّنا نحبُّ الجبل بأهلِه؛ لأنَّه في أرض مَن يحبُّنا، والمراد المدينة وسكانها كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف:82] أي: أهلَها، وقال الخطابي: الأَولى إجراؤه على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحبِّ الأنبياء ‰ والأولياء وأهلِ / الطَّاعة كما حنَّت إليه الاسطوانة التي كان يخطب إليها لما فارقها حتَّى سمع القوم حنينها إلى أنْ سكنها رسول الله صلعم ، وكما أخبرَ صلعم أنَّ حَجَراً كان يسلِّم عليه قبل الوحي، ولا يبعد أن يكون جبل أُحد، وجميع أجزاء المدينة كان يحبُّه وتحنُّ إلى لقائه حال مفارقته، ولا عجب في أن تكون للجمادات إدراك، وكما فرَّ الحَجر بثوب موسى ◙ ، وعامله ◙ معاملة مَن يدرك بأنْ ضَرَبه بالعِصا حتِّى إن به لنُدباً مِن أثر ضربه.
          قال السُّهيلي: وسُمِّي أُحُد بذلك لتوحُّده وانقطاعه عن جبال أُخَر هناك، وفي الآثار المسندة: إنَّ أُحُداً يوم القيامة عند باب الجنَّة مِن داخلها، وفي بعضها: ((أنه ركب لباب الجنة))، وفي «المسند» مِن طريق أبي عبس بن جبر يرفعه: ((فإنَّ أُحُداً جبل يحبُّنا ونحبُّه، وهو على باب الجنَّة، وعير يبغضنا ونبغضه وهو على باب مِن أبواب النَّار)) ويقوي ذلك كلَّه قولُه صلعم : ((المرء مع مَن أحبَّ)) وكان صلعم يحبُّ الاسم الحسن، ولا اسم أحسن مِن اسم مشتقٍّ مِن الأَحدية، وقد سمَّى الله هذا الجبل بهذا الاسم بِقدَمِه لما أراده تعالى مِن مشاكلة اسمه لمعناه؛ إذ أهله _وهُم الأنصار_ نَصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد، وعنده استقرَّ حيَّاً وميتاً، وكان مِن عادته ◙ استعمال الوِتر ومحبَّته له استشعاراً للأَحدية، فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه ومقاصده في الأسماء، ومع أنَّ هذا الجبل مشتقٌّ مِن الأَحدية وحركات حروفه الرَّفع وذلك مشعر بارتفاع دين الأَحدِ وعُلُوِّه، فتعلَّق الحبُّ مِن النَّبِي صلعم به اسماً ومسمَّى، فخُصَّ مِن بين الجبال بأن يكون معه في الجنَّة (1) إذا بُسَّتْ الجبال فكانت هباء منبثاً، قاله السُّهيلي في «الروض». انتهى.


[1] في الأصل:((المحبة)).