التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب عمرة القضاء

          ░43▒ (بابُ عُمرَةِ القَضاءِ)
          قوله: (ذَكَرَهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِي صلعم) هذا أسندَه البيهقي في «دلائله» مِن حديث معمر عن الزُّهري عنه، قال: لما أحلَّ رسول الله صلعم مكَّة في عمرة القضاء، مشَى عبد الله بن رَواحة بين يديه وهو يقول:
خَلُّوا بني الكفَّارِ عن سبيلهِ                     قد نَزَّل الرَّحمنُ في تنزيلهِ
بأنَّ حينَ القتلِ في سبيلهِ                     نحنُ قتلناكُم على تأويلهِ
كمَا قتلناكم على تنزيلهِ
          وأسنده ابن حبَّان في «صحيحه» مِن حديثِ ثابتٍ عنه بزيادة:
ويَدخُلُ الخِلُّ على خليله                     يا ربِّ إِني مؤمنٌ بقِيلهِ
          فقال له عمر: يا ابنَ رواحة، تقول الشِّعر بين يديَّ؟! فقال ◙ : ((دَعْه يا عمر، لَهذا أشدُّ عليهم مِن وقع النَّبل)) وأوَّله الحاكم في «إكليله»، وزَعم ابن هشام في «سيرته» أنَّ قوله:
نحن قتلناكم على تأويله                     كما قتلناكم على تنزيله
          لعمار بن ياسر، قاله يوم صِفِّين، يريد عمارٌ الفتنة التي فيها عليٌّ، وهُو ظاهر لأنَّ المشركين لم يقاتلوا على التأويل.
          قال / الحاكم في «إكليله»: قد تواترت الأخبار عن أئمَّة المغازي، أنَّه لما دخل هلال ذي القعدة في سنة تسع، أمر رسول الله صلعم أصحابه أن يعتمروا قضاءَ عمرتهم، ولا يتخَّلف منهم أحد ممَّن شهد الحديبية، وخرج معه مِن المسلمين سوى أهل الحديبية ممَّن لم يشهد صُلح الحديبية عُمَّاراً، فكانوا المسلمون (1) فيها ألفين سوى النَّساء والصبيان. وهو خلاف قول السُّهيلي السابق: إنهم لم يقصروا عمرتهم، ولم تُسَمَّ عمرة القضاء لذلك سُمِّيت به اشتقاقاً ممَّا كتبوا في كتاب صلح الحديبية: ((هذا ما قاضى عليه))، لا مِن القضاء الاصطلاحي؛ إذ لم تكن العمرة التي اعتمروها في السَّنة القابلة قضاء التي تحلَّلوا منها يوم الصُّلح، فإنَّها لم تفسد قصدهم عَن البيت، بل كانت عمرة تامَّة، حتَّى إنَّهم حين حلقوا رؤوسهم بالحلِّ جاءت الرِّيح فاحتملتها فألقتها في الحَرم.
          وهي معدودة في عُمَر النَّبِي صلعم ، وتُسمَّى أيضاً عمرة القضية، ويُقال لها: عمرة القِصاص، قال السُّهيلي: وهذا الاسم أولى بها؛ لقوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}[البقرة:194] وهَذه الآية نزلت فيها.
          ووجه ذكر العمرة في كتاب المغازي الخصومةُ التي جرت بينهم وبين الكفار في سَنة التحلُّل والسَّنة القابلة أيضاً وإنْ لم تكن بالمسايفة؛ إذ لا يلزم مِن إطلاق الغزوة المقاتلة بالسيوف، وفي بعضها بدل العمرة: <الغزوة>.


[1] كذا في الأصل.