التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب حديث بنى النضير

          ░14▒ (بابُ حَدِيثِ بَني النَّضِيرِ وَمَخرَجِ رَسُولِ اللهِ صلعم إِلَيهِم في دِيَةِ الرَّجُلَينِ) أي الَّذَيْن طلعا مِن المدينة متوجِّهَين إلى أهلهما، وكان معهما عهد مِن رسول الله صلعم ، فلقيهما عمرو بن أميَّة الضَّمْري ولم يعلم العهدَ فقتلهما، فلمَّا قدم المدينة قال له رسول الله: ((قتلتَ رجلين كان لهما منِّي جوارٌ؟! لأَدينهما)) فخرج ◙ إلى بني النَّضير مستعيناً بهم في دية القتيلين.
          وصورة الغدر: أنَّهم لمَّا كلَّمهم رسول الله صلعم في الإعانة في ديتهما قالوا: نعم يا أبا القاسم، اجلس حتَّى نَطعم ونقوم فنتشاور ويصلح أمرنا، فقعد رسول صلعم مع أبي بكر وعمر وعليٍّ وغيرهم إلى جدار مِن جُدرهم، فاجتمع بنو النَّضير وقالوا: مَن يصعد على ظهر البيت ويلقي على محمَّد صخرة فيقتله ويريحنا منه؟ فإنَّا لن نجدَه أقرب مِنه الآن، فانتدب عمرو بن جِحَاش بجيم وحاء مهملة وشين معجمة، فأوحى الله إلى رسوله بما ائْتمروا به، فقام ونهض إلى المدينة وتهيَّأ للقتال، فخَرج إليهم فحاصرهم وقطع عليهم نخيلهم (1) وحرَّقها، فصالحوا عَلى إخلاء سبيلهم إلى خيبر وأجلاهم مِن المدينة.
          وإنَّما ترجم البخاري الباب بما ذكر ولم يسنده اكتفاء لشهرته عند أهل السير.
          وكان الرَّجلان اللَّذان (2) قتلهما عمرو بن أمية عامريين، وكان رسول الله صلعم عقد جواراً لبني عامرٍ، ولما نهض رسول الله صلعم منصرفاً نادَوه فلمْ يلتفت إليهم.
          فإن قيل: كيف ودى رسول الله صلعم العامريين ولم يَدِ أحدَ الرَّجلين اللَّذين قتلهما أبو بصير عُبيدَ بنَ أُسيد بن حارثة، وقيل: عتبة، ولم يطلب ديته مِن أبي بصير؛ لأنَّ أولياء المقتول لم يطالبوه بها؛ لأنَّهم إمَّا كانوا قد أسلموا، وإمَّا لأنَّ الله / شغلهم حتَّى انتكث العهد وَجاء الفتح، وإنَّما لم يَدِهِ النَّبِي صلعم لأنَّه إنَّما كان يدي مَن قُتل خطأ مِن أهل الصُّلح كالعامريَّين، ومَا فعله أبو بصير كان عَمداً ولم يكن قتل خطأ، أو لأنَّه صلعم قَد كان ردَّه إلى المشركين فَصار في حكمهم، ولم يكن في فئة مِن المسلمين وحدهم (3) حتَّى يحكم عليه بما حكم عليهم، ولا يُقال: إنَّ قتله لأحدهما كان حراماً؛ لأنَّهما كان (4) أهل عهد، وقتل المعاهد (5) حرام؛ لأنَّا نقول: ذلك كان جائزاً لأبي بصير عَلى الخُصوص لأنَّه دافع عَن نفسه وَدينه، ومَن قُتل دون دينه فهو شهيد، ذَكره في «الرَّوض الأنف».
          قوله: (وَقَولِ اللهِ تَعالى: {هُوَ الَّذِي أَخرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[الحشر:2]) يعني به يهود بني النضير حين أجلاهم رسول الله صلعم وحشرهم إلى الشَّام، وهو أوَّل الحشر، والثَّاني حشرُهم يوم القيامة.


[1] قوله:((نخيلهم)) ليس في الأصل.
[2] في الأصل(الذين) والصواب ما أثبت.
[3] كذا في الأصل.
[4] كذا في الأصل, ولعلها:((كانا)).
[5] في الأصل:((وقيل المعاهدة)).