التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء

          (بَابُ كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلَاة فِي الإِسْرَاءِ...) إلى (باب الصَّلَاةِ فِي الْقَمِيصِ...) إلى آخره.
          سؤال: إنْ قيلَ: أيُّ اللَّيلتين أفضلُ؛ ليلةُ القدر أَمْ ليلةُ الإسراء؟
          وجوابه: أنَّ ليلةَ الإسراء في حقِّ نبيِّنا صلعم أفضلُ من ليلة القدر، وليلةَ القدر بالنِّسبة إلى الأمَّة أفضلُ من ليلة الإسراء، هذا جواب العلَّامة أبي العبَّاس ابن تيمية، والله أعلم.
          فائدة: اختلف العلماء في المعراج والإسراء؛ هل كانا في ليلة واحدة أم لا؟ وأيُّهما كان قبل الآخر؟ وهل كان ذلك كلُّه في اليقظة أو في المنام؟ أو بعضه في اليقظة وبعضه في المنام؟ أو أنَّه أُسْرِي به ولا يقال: يقظة ولا منامًا؟ حكى هذا ابن قيِّم الجوزيَّة في «الهدي»، وهل كان المعراج مرَّةً أو مرَّاتٍ، وقد أنكر هذا الأخير ابن القيِّم في «الهدي»، وقال مُغُلْطاي في «سيرته الصُّغرى»: (إنَّ الإسراء كان في اليقظة بجسده، وإنَّه مرَّات، وإ نَّه رأى ربَّه بعين رأسه) انتهى.
          وحاصلُ الأقوال في الإسراء خمسةٌ: يقظةٌ، منامٌ، مرَّةً يقظةٌ ومرَّةً منامٌ، الرَّابع: الإسراء(1) بجسده إلى بيت المقدس في اليقظة، وبروحه إلى فوق سبع سماوات، والخامس: الذي حكاه ابن القيِّم.
          تنبيهٌ: ينبغي أنْ يُعلَم الفرقُ بين قوله: كان الإسراء منامًا، وبين القول: أُسرِيَ بروحه دون جسده، قال ابن القيِّم: (وبينهما فرقٌ عظيم...) إلى أنْ قال: (لكن(2) لمَّا كان النَّبيُّ صلعم في مقام خرق / العادات حتَّى يُشقَّ بطنه وهو حيٌّ لا يتألَّم بذلك؛ عُرِجَ بذات روحه المقدَّسة حقيقةً من غير إماتة، ومَن سِواه لا تنال ذاتُ روحه الصعودَ إلى السَّماء إلا بعد الموت والمفارقة، فالأنبياء إنَّما استقرَّت(3) أرواحهم هناك بعد مفارقة الأبدان، وروح رسول الله صلعم صعِدت إلى هناك في حال الحياة، ثمَّ عادت، وبعد وفاته استقرَّت في الرَّفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء، ومع هذا؛ فلها(4) إشراق(5) على البدن وإشراف وتعلُّق به؛ بحيث(6) يردُّ السَّلام على من سلَّم عليه، وبهذا التَّعلُّق رأى موسى قائمًا يصلِّي في قبره... كما أنَّه صلعم في أعلى مكان في الرَّفيق الأعلى مستقرًّا وبَدَنُه في ضريحه غيرُ مفقود، وإذا سلَّم عليه المُسَلِّم؛ ردَّ الله عليه روحه حتَّى يَرُدَّ السَّلام)، ثمَّ مثَّل ذلك بالشمس في علوِّ محلِّها وتعلُّقها، وتأثيرها في الأرض، وحياة النَّبات والحيوان بها، وشأن الرُّوح فوق هذا، ثمَّ مثَّل بالنَّار تكون في محلِّها وحرارتها تؤثِّر في الجسم البعيد عنها، مع أنَّ الارتباط بين الرُّوح والبدن أقوى وأكمل وأتمُّ، انتهى.
          واختلفوا في تاريخ الإسراء كما سيأتي قريبًا، وقد ذكر السُّهيليُّ خلاف السَّلف في الإسراء؛ هل كان يقظةً أو منامًا؟ وحكى القولين وما يُحتَجُّ به لكلِّ قولٍ منهما، ثمَّ قال: (وذهبت طائفة ثالثة _منهم: شيخنا أبو بكر ابن العربيِّ_ إلى تصديق المقالتين، وتصحيح المذهبين، وأنَّ الإسراء كان مرَّتين؛ إحداهما: في نومه؛ توطئةً وتيسيرًا عليه كما كان بدء نبُوَّته الرُّؤيا الصَّالحة؛ ليسهل عليه أمر النُّبوَّة، فإنَّه عظيمٌ تضعُف(7) عنه القوى البشريَّة، وكذلك الإسراء سهَّله الله عليه بالرُّؤيا؛ لأنَّ هَولَه عظيمٌ، فجاء في اليقظة على توطئة وتقدمة؛ رفقًا من الله بعبده وتسهيلًا عليه)، ورجَّحَ هذا القول أيضًا؛ للجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك، فإنَّ في ألفاظها اختلافًا، وتعدُّد الواقعة أقرب؛ لوقوع جميعها، انتهى.
          وقد قال ابن القيِّم: (إنَّه مرَّةً، وإنَّه أصحُّ الأقوال)، وفي مكان آخرَ من «الهدي» قال: (إنَّه الصَّواب الذي عليه أئمَّة النَّقل)، انتهى، وحكى السُّهيليُّ قولًا رابعًا: (أنَّه كان بجسده إلى بيت المقدس في اليقظة، ثمَّ أُسرِي بروحه ╕ إلى فوق سبع سماوات؛ ولذلك شنَّع الكفَّار قوله: «أتيت بيت المقدس في ليلتي هذه»، ولم يُشنِّعوا قوله فيما سوى ذلك).
          وقد تكلَّم العلماء في رؤية النَّبيِّ صلعم لربِّه ليلة الإسراء؛ ففي «الصَّحيح» عن مسروق عن عائشة: أنَّها أنكرت ذلك [خ¦3234]، وجاء مثل قول عائشة عن أبي هريرة وجماعة، وهو المشهور عنِ ابن مسعود، وإليه ذهب جماعة من المحدِّثين والمتكلِّمين، وروي عنِ ابن عبَّاس: أنَّه رآه، ومثله عن أبي ذرٍّ، وكعب، والحسن وكان يحلِفُ على ذلك، وحُكي مثلُه عنِ ابن مسعود، وأبي هريرة، وأحمد ابن حنبل، وسيأتي الكلام في نقل ذلك عن أحمد ابن حنبل من عند ابن القيِّم، وحُكي عنِ الأشعريِّ وأصحابه.
          وأمَّا ابنُ قيِّم الجوزيَّة؛ فإنَّه قال: (وهي مسألةُ خلافٍ بين السَّلف والخلف، وإن كان جمهور الصَّحابة _بل كلُّهم_ مع عائشة، كما حكاه عثمان بن سعيد الدَّارميُّ إجماعًا للصحابة) انتهى، وفي هذا الإجماع نظرٌ، وفي «التِّرمذيِّ»: (قال كعب: إنَّ الله قَسَمَ رؤيتَه وكلامَه بين محمَّد وموسى، فكلَّم موسى مرَّتين، ورآه محمَّد مرَّتين)، وهذا في «المستدرك» أيضًا، وفي «مسلم»: عن أبي ذرٍّ: (هل رأيت ربَّك؟ قال: «رأيت نورًا»)، وفي آخرَ عند مسلم: «نورٌ، أنَّى أراه؟»، من حديث أبي ذرٍّ، [وقد قال أحمد في حديث أبي ذرٍّ هذا: (ما زلتُ له منكرًا)](8)، وقال ابن خزيمة: (في القلب من صحَّة إسناده شيءٌ)، مع أنَّ في رواية أحمد في حديث أبي ذرٍّ: «رأيته(9) نورًا»(10)، ورجال إسنادها رجال «الصَّحيح»، وفي «الطَّبرانيِّ الصَّغير» و«الأوسط» من حديث مجالد عنِ الشَّعبيِّ عنِ ابن عبَّاس أنَّه كان يقول: (إنَّ محمَّدًا رأى ربَّه مرَّتين؛ مرَّة ببصره، ومرَّةً بفؤاده)، قال الطَّبرانيُّ: (لم يروه عن مجالد إلَّا ابنُه إسماعيل)، وفيهما أيضًا عنه موقوفًا: (نظر محمَّد إلى ربِّه)، [وقال عكرمة: (فقلت لابن عبَّاس: نظر محمَّد إلى ربِّه؟](11) قال: نعم...) الحديث، قال الطَّبرانيُّ: (لم يروه عن ميمون إلا موسى، تفرَّد به حفص).
          وفي «تفسير النَّقاش»: (عن ابن عبَّاس: أنَّه سُئل: هل رأى محمَّد ربَّه؟ فقال: رآه، رآه، رآه، حتَّى انقطع صوتُه)، وفي «تفسير عبد الرَّزاق»: عن معمر عنِ الزُّهريِّ وذكر إنكارَ عائشةَ أنَّه رآه، فقال الزُّهريُّ: (ليست عائشة ♦ عندنا أعلم من ابن عبَّاس)، وفي «تفسير ابن سلَّام»: (عن عروة: أنَّه كان إذا ذكر إنكار عائشة؛ يشتدُّ ذلك عليه)، وقول أبي هريرة في ذلك كقول ابن عبَّاس: أنَّه رآه، وتقدَّم النَّقل عنه إنكارها، وقد وَقَفَ بعضُ المشايخ في ذلك، فقال: ليس عليه دليل(12) واضح، ولكنَّه جائز، ورؤيتُه تعالى في الدُّنيا جائزةٌ، وسؤالُ موسى ◙ إيَّاها دليلٌ على جوازها، وحكى الشيخُ محيي الدِّين النَّوويُّ ترجيحَ القول بأنَّه رآه عن أكثر العلماء، انتهى، وقال السُّهيليُّ: (والمتحصِّل من هذه الأقوال: أنَّه رآه لا على أكمل ما تكون الرُّؤية على نحو ما يراه في حظيرة(13) القدس عند الكرامة العظمى والنَّعيم الأكبر، ولكن دون ذلك، وإلى هذا يومئ(14) قوله ╕: «رأيت نورًا»)، وأجاب الجماعة عنِ الآية، وهي قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:103]: بأنَّ الإدراكَ الإحاطةُ، والله لا يُحَاط به.
          تنبيه سبقتِ الإشارة إليه [خ¦2]: لمَّا ذكر ابنُ القيِّم في «الهدي» رؤية النَّبيِّ صلعم في الجزء الثَّالث تجزئة ستَّة؛ قال: (وقد صحَّ عنه أنَّه قال: «رأيت ربِّي تبارك وتعالى»، ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان بالمدينة لمَّا احتبس عنهم في صلاة الصُّبح، ثمَّ أخبرهم عن رؤية ربِّه تبارك وتعالى تلك اللَّيلةَ في منامه، وعلى هذا بنى الإمامُ أحمد، وقال: نعم؛ رآه، فإنَّ رؤيا الأنبياء حقٌّ ولا بُدَّ، ولكن لم يقل أحمد: إنَّه رآه بعيني رأسه، ومن حكى عنه ذلك؛ فقد وَهم عليه، ولكن مرَّة قال: رآه، ومرَّةً قال: رآه بفؤاده، فحُكِيت عنه روايتان، وحُكِيت عنه الثَّالثة من تصرُّف بعض أصحابه: أنَّه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوصه موجودة(15) ليس(16) فيها ذلك) انتهى.
          وفرض الصَّلوات(17) الخمس كان ليلة المعراج، فعنِ الواقديِّ: (كان ليلة السبت لسبعَ عشرةَ خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانيةَ عشرَ شهرًا، من مكَّة إلى السَّماء)، ومن يرى المعراج من بيت المقدس، وأنَّه هو والإسراء في تاريخ واحد؛ فالإسراء كان(18) ليلة سبعَ عشرةَ من ربيع الأوَّل قبل الهجرة بسنة وبعد المبعث بتسعٍ أو اثني عشرَ، على حسب اختلافهم في ذلك، وهذا هو المشهور، وقيل: إنَّ الإسراء وفرض الصَّلاة بعد المبعث بخمس سنين، وأبعدُ منه: أنَّه أُسرِي به من مكَّة، وعُرِج به إلى السَّماء بعد مبعثه بثمانيةَ عشرَ شهرًا، قال ابن عبد البَرِّ: (ولا أعلم أحدًا من أهل السِّير قال ذلك، ولا أسند قوله إلى أحد ممَّن يُضَاف إليه هذا العلم)، وفي صبيحة ليلة المعراج كان نزول جبريل وإمامته به ╕، انتهى، ونقل القاضي: (أنَّ أقلَّ ما قيل(19) في الإسراء: إنَّه بعد المبعث بخمسةَ عشرَ شهرًا).
          تنبيهٌ: رواية شَريك: (وذلك قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيهِ) [خ¦3570]، سيأتي الكلام عليها في (كتاب التَّوحيد) [خ¦7517] حيث ذكرها البخاريُّ وتَوهِيَتِها مع ألفاظٍ غيرِها.
          [وحصل في ليلة الإسراء: أنَّها ليلة السبت لسبعَ عشرةَ خلت من رمضان](20).
          وحصل في شهر الإسراء خمسة أقوال: ربيع الأوَّل، ربيع الآخر، رجب، رمضان، وعن(21) الماورديِّ:
          (أنَّه في شوَّال)، وقد جزم النَّوويُّ في «الرَّوضة»: (بأنَّه كان في رجب)، وقال في «الفتاوى»: (إنَّه كان في ربيع الأوَّل)، وجزم في «شرح مسلم»: (بأنَّه كان في ربيع الآخر)، تبعًا للقاضي.
          وتحصَّل في السَّنَة أقوالٌ أيضًا _غالبها ذكرته فيما تقدَّم قبل هذا_ وهي(22) أنَّه كان بعد المبعث بسنة ونصفٍ، وقيل: بخمسٍ، وهو الأشبه عند القاضي عياض في «الشفا»، وقيل: قبل الهجرة بعام، وقيل: بعد المبعث بخمسة عشر شهرًا، ونقل شيخنا المؤلِّف عنِ السُّديِّ: (قبل الهجرة بستَّة أشهر)، وقال ابن الجوزيِّ: (كان قبل الهجرة بثمانية أشهر)، وقال ابن عبد البَرِّ وغيره: (إنَّ بين الهجرة والإسراء سنةً وشهرين)، [وقال العراقيُّ شيخنا: (إنَّه سنة اثنتي عشرة إلا ثلاثة(23) شهور)، هذا مقتضى كلامه، وهو نحو القول الذي قبله، أو هو هو، وقدَّم مُغُلْطاي من الأقوال: (أنَّه كان ليلة السبت لسبعَ عشرةَ ليلةً خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانيةَ عشرَ شهرًا)](24)، فهذه سبعة أقوال.
          ثمَّ اعلم أنَّ أفضل / عبادات البدن بعد الشَّهادتين الصَّلاةُ؛ لقوله صلعم: «واعلموا أنَّ خير أعمالكم الصَّلاة»، رواه ابن ماجه من حديث ثوبان بإسناد جيِّد، لكن من رواية سالم بن أبي الجعد عنه، وقد قال أحمد: (لم يَسمَع منه)، وذكره في «الموطَّأ» مرسلًا مُعضَلًا، قال: (بلغني أنَّ النَّبيَّ صلعم قال...) فذكره، ورواه ابنُ ماجه أيضًا من رواية عبدِ الله بن عَمرو مرفوعًا، وحديثُ ثوبانَ أصلحُ منه، وقال ابن حِبَّان في «صحيحه»: (خبرُ سالم بن أبي الجعد عن ثوبان منقطعٌ)، ثمَّ أخرجه من حديث حسَّان بن عطيَّة: أنَّ أبا كبشة السَّلوليَّ حدَّثه: أنَّه سمع ثوبان...؛ فذكر نحوه، ولأنَّ الصَّلاة تلو(25) الإيمان الذي هو أفضل القُرَب وأشبه به؛ لاشتمالها على نطق باللِّسان، وعمل بالجَنَان، واعتقاد بالقلب كما هي فيه؛ ولذلك سمَّاها الله تعالى إيمانًا فقال: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة:143]؛ أي: صلاتكم إلى بيت المقدس؛ كما ثبت مُبيَّنًا في «صحيح ابن حِبَّان» من حديث ابن عبَّاس، ولأنَّها تجمع من القُرَب ما تفرَّق في غيرها؛ من ذكر الله تعالى ورسوله، والإمساك عنِ الأكل والكلام، والإتيان بالقراءة، والتَّسبيح، والاستقبال، والطَّهارة، والسِّتارة... إلى غير ذلك ممَّا لا يخفى أنَّه من القُرَب، مع اختصاصها بمقاصد تشتمل عليها؛ كالرُّكوع والسُّجود.
          وقولي: (البَدَن) احترازٌ من عبادة القلب؛ وهي الإيمان، فإنَّه أفضل العبادات، ولا يقال في العُرْف: إنَّه من عمل البدن، قال الفقيه العلَّامة ابنُ الرِّفعة في قول صاحب «التَّنبيه»: (أفضل عبادات البدن): (وقد ادَّعى بعضهم أنَّه احتَرَزَ [بذلك] عنِ العبادات الماليَّة، فإنَّها أفضل من الصَّلاة؛ لتعدِّي نفعها)، قال: (فإنْ صحَّ هذا؛ فمنه يؤخذ أنَّ العبادة المشتملة على المال والبدن أفضل من المتمحِّضة؛ وهي الحجُّ؛ لجمعها بين الأمرين، وبه صرَّح القاضي الحسين(26) في أوَّل «الحجِّ»، ولأنَّا دُعينا(27) إليه في أصلاب آبائنا، فكان كالإيمان الذي جعل فيه كذلك)، قال: (وهذه العلَّة تقتضي أنَّ الجهاد لا يلحق الحجَّ في هذا المعنى، والأُولى تقتضي أنَّه كهو؛ لأنَّه يشتمل على عمل بدن ومال، وحينئذٍ يكون أفضل من الصَّلاة، بل أقول: إنَّ الخبر يدلُّ على أنَّه مُقدَّم(28) عليه؛ حيث سُئل عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام عن أفضل الأعمال، فقدَّمه على الحجِّ) انتهى، وبه قال ابن أبي عَصرون، قال النَّوويُّ في «شرح المهذَّب»: (والمذهب الصَّحيح: أنَّ الصَّلاة أفضل من الصَّوم وسائرِ عبادات البدن) كما جزم به الشيخ؛ لأحاديث، فذكرها، وقال صاحب «المُسْتَظْهِريِّ» في (الصِّيام): (اختُلِف في الصَّوم والصَّلاة أيُّهما أفضل؛ فقال قوم: الصَّوم أفضل)، انتهى، وهو(29) ما جزم به الماورديُّ فيه؛ حيث قال: (الصَّوم أفضل أعمال القُرَب)، وقال آخرون: الصَّلاة أفضل، وقال آخرون: الصَّلاة بمكَّة أفضل، والصَّوم بالمدينة أفضل، والأوَّل أصحُّ، قال ابن الرفعة: (وادَّعى الماورديُّ في «الحجِّ» أنَّ الطواف أفضل من الصَّلاة)، ورجَّحه ابن عبد السَّلام، وللغزاليِّ في المسألة كلام، وكذا لابن عبد السَّلام، وبه يطول الكلام.
          وقال(30) النَّوويُّ في «شرح المهذَّب»: (واعلم أنَّه ليس المراد بقولهم: «الصَّلاة أفضل من الصَّوم»: أنَّ صلاة ركعتين أفضل من صيام أيَّام أو يوم، فإنَّ الصَّوم أفضل من ركعتين بلا شكٍّ، وإنَّما مَن لم يُمْكِنه الاستكثار من الصَّلاة والصَّوم، وأراد أنْ يستكثر من أحدهما ويكون غالبًا عليه منسوبًا إلى الإكثار منه، ويقتصر من الآخر على المتأكِّد منه؛ فهذا محلُّ الخلاف والتَّفضيل، والصَّحيح: تفضيل الصَّلاة)، انتهى، وقال العبَّاديُّ في «الزيادات»: (الاشتغال بحفظ ما زاد على الفاتحة من القرآن أفضل من صلاة التَّطوُّع؛ لأنَّ حفظه فرض كفاية)، نقله [النَّوويُّ عنه في «شرح المهذَّب»، وأقرَّه عليه، وقول صاحب «التَّنبيه»: (وتطوُّعُها أفضل التَّطوُّع)؛ لعموم الحديث المتقدِّم، قال](31) النَّوويُّ في «شرح المهذَّب»: (فإنْ قيل: يَرِدُ عليه الاشتغال بالعلم، فإنَّه أفضل من تطوُّع الصَّلاة، كما نصَّ عليه الشَّافعيُّ وسائرُ الفقهاء، فالجواب: أنَّ هذا الإيراد غلط وغفلة من مُورِده؛ فإنَّ الاشتغال بالعلم فرض كفاية، وكلامنا هنا في صلاة التَّطوُّع، والله أعلم).
          وقد أطلت الكلام في ذلك؛ لأنَّ الكلام يجرُّ بعضُه بعضًا، ولكنَّ فيه فوائدَ لا يُستغنى عنها، والله أعلم.
          قَولُهُ: (حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ): تقدَّم أنَّه صخرُ بن حرب بن أميَّة بن عَبْد شمس بن عَبْد مناف القرشيُّ الأمويُّ، والدُ معاويةَ، ويزيدَ، وأمِّ حبيبةَ، ♥، وقد تقدَّم أنَّه مشهور التَّرجمة، فلا نطوِّل بها [خ¦7].
          قَولُهُ: (فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ): تقدَّم أنَّ (هرقل) فيه لغتان؛ (هِرَقل) بفتح الرَّاء، وكسر الهاء، والثَّانية: بكسر الهاء، وإسكان الرَّاء، وكسر القاف، وتقدَّم بعضُ ترجمته، وأنَّه هلك سنة عشرين من الهجرة، وتقدَّم ما(32) قال العلماء فيه [خ¦7].
          قَولُهُ: (وَالعَفَافِ): هو بفتح العين؛ وهو ترك المَحَارِم، وترك خوارم المروءة.


[1] في (ج): (للإسراء).
[2] (لكن): ليس في (ج).
[3] في (ج): (استوت).
[4] في (ج): (فلهذا).
[5] في (ج): (إشراف)، وكذا في مصدره، ثمَّ: (وإشراق).
[6] في (ب): (حيث).
[7] في (ج): (يضعف).
[8] ما بين معقوفين ليس في (ب)، وأخرج قولَ الإمام أحمد أبو عوانة في «مسنده» ░384▒.
[9] في (ب): (رأيت).
[10] في (ج): (أنه نور)، «مسند الإمام أحمد» ░3/213▒.
[11] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[12] (دليل): ليس في (ج).
[13] في (ج): (خظرة)، وهو تحريفٌ.
[14] في (ج): (يؤمن)، وهو تحريفٌ.
[15] في (ج): (مأخوذة).
[16] في (ب): (وليس).
[17] في (ج): (الصَّلاة).
[18] زيد في (ج): (في).
[19] في (ج): (فيه).
[20] ما بين معقوفين ليس في (ج).
[21] في (ج): (وعند).
[22] في (ج): (ومن).
[23] في (أ) و(ب): (ثلاث)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.
[24] ما بين معقوفين ليس في (ج)، ويُنظر: «الإشارة إلى سيرة المصطفى» (ص135▒.
[25] في (ج): (تكون).
[26] في (ج): (حسين).
[27] في (ب): (رغبنا).
[28] في (ب): (يقدم).
[29] (هو): ليس في (ج).
[30] في (ج): (قال).
[31] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[32] (ما): سقطت من (أ).