التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: التيمم ضربة

          ░8▒ بَابٌ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ
          347- ذَكَرَ فيهِ حديثَ أبي مُوسَى مع عبدِ اللهِ وقوله: (أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم فِي حَاجَةٍ) إلى قوله: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا، فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ...) الحديثَ، وقد سلف فقهُه فيما مضى.
          وقوله: (زَادَ يَعْلَى عَنِ الأَعْمَشِ...) إلى آخرِه، هذا وصلَه الإِسْمَاعِيْلِيُّ عَنِ ابنِ زَيْدَانَ / عن أَحْمَدَ بنِ حازمٍ عن يَعْلَى به.
          واختلفَ العلماءُ في صفةِ التَّيمُّمِ على أقوالٍ:
          أحدها: أنَّه ضربةٌ واحدةٌ، وعليه بوَّبَ البخاريُّ، وهو أصحُّ مِنْ روايةِ: ضربتين، كما سلفَ.
          وثانيها: أنَّه ضربتان: ضربةٌ للوجهِ وضربةٌ لليدين إلى المرفقين، رُوِيَ هذا عَنِ ابنِ عُمَرَ والشَّعْبِيِّ والحَسَنِ وهو قول مالكٍ والثَّوْرْيِّ واللَّيْثِ وأبي حنيفةَ وأصحابه والشَّافعيِّ، وذكره الطَّحَاوِيُّ عن الأوزاعيِّ، وهؤلاء كلُّهم لا يُجزئه عندهم المسح دون المرفقين إلَّا مالكًا، فإنَّ الفرض عنده إلى الكوعين.
          ورُوِيَ عن عليٍّ مثلُ هذا: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ لليدين إلى الكوعين، وهذا قولٌ ثالثٌ.
          وفيه قولٌ رابعٌ: أنَّه ضربتان يمسح بكلِّ ضربةٍ منهما وجهَه وذراعيه إلى مرفقيه، وهذا قول ابنِ ليلى والحَسَنِ بنِ حَيٍّ.
          وفيه قولٌ خامسٌ: أنَّه ضربةٌ واحدةٌ للوجه والكفَّين إلى الكوعين، رُوِيَ هذا عن عَطَاءٍ ومَكْحُولٍ، وروايةٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وهو قولُ الأوزاعيِّ وأحمدَ وإِسْحَاقَ، واختاره ابنُ المُنْذِرِ، وروى ابنُ القَاسِمِ عن مالكٍ: إنْ مسح وجهه ويديه بضربةٍ واحدةٍ أرجو أن تُجزئه، ولا إعادةَ عليه، والاختيار عنده ضربتان.
          وحُجَّةُ مَنْ جعله إلى المرفقين القياسُ على الوضوءِ، واتَّبعوا فعلَ ابنِ عُمَرَ، وقد رُوِيَ مِنْ حديثِ ابنِ عُمَرَ أيضًا مرفوعًا، صحَّحَه الحاكمُ، وقالوا: لَمَّا كانَ غَسْلُ الوجهِ بالماءِ غيرَ غسلِ اليدين، فكذلك يجب أن تكون الضَّربةُ للوجهِ في التَّيمُّمِ غيرَ الضَّربةِ لليدين.
          والقولُ الرَّابعُ شاذٌّ لا سلف له فيه، وأصحُّ ما في حديثِ عَمَّارٍ أنَّه ضَرَبَ ضربةً واحدةً لكفَّيه ووجهِه، رواه الثَّوْرِيُّ وأبو معاويةَ وجماعةٌ عَنِ الأَعْمَشِ عن أبي وائلٍ، وسائرُ أحاديث عَمَّارٍ مختلفٌ فيها.
          واحتجَّ لهذا القول أيضًا بأنَّه إذا ضربَ يديه إلى الأرض، فبدأ بمسحِ وجهِه فإلى أن يبلغَ في حَدِّ الذَّقنِ لا يبقى في يديه شيءٌ مِنَ التُّرابِ، فإذا جاز في بعض الوجه ذلك ولم يحتج أن يُعيد ضرب يديه على الأرض لم يحتج أن يضربَ بيديه ليديه؛ لأنَّه ليس كالماء الَّذي مِنْ شرطه أن يماسَّ كلَّ جزءٍ مِنَ الأعضاء.
          وفي المسألةِ قولٌ سادسٌ غريبٌ: أنَّه يضرب أربع ضرباتٍ: ضربتان للوجه، وضربتان لليدين، حكاه ابنُ بَزِيْزَةَ في «شرحِ أحكامِ عبدِ الحقِّ» ثمَّ قال: وليس له أصلٌ في السُّنَّة، وما أقصر في ذلك، ثمَّ قالَ: وقالَ بعضُ العلماءِ: يتيمَّمُ الجُنُبُ إلى المنكبين وغيره إلى الكوعين، ثمَّ قالَ: وهو قولٌ ضعيفٌ، وهو كما قالَ أيضًا.
          وفي «قواعدِ ابنِ رُشْدٍ» رُويَ عن مالكٍ الاستحبابُ إلى ثلاثٍ، والفرضُ اثنتان، وقال ابنُ سِيرِينَ: ثلاثُ ضرباتٍ، الثَّالثة لهما جميعًا، وفي روايةٍ عنه: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ للكفِّ، وضربةٌ للذِّراعين.