التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب السلم إلى أجل معلوم

          ░7▒ بَابُ: السَّلَمِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
          (وَبِهِ قَالَ ابن عبَّاس، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَالأَسْوَدُ، وَالحَسَنُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لاَ بَأْسَ فِي الطَّعَامِ المَوْصُوفِ، بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، مَا لَمْ يَكُ ذَلِكَ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ).
          2253- ثمَّ ساق حديث ابن عبَّاس السَّالف ولفظه: (أَسْلِفُوا فِي الثِّمَارِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ).
          2254- 2255- ثم ذكر حديثَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي المُجَالِدِ السَّالِفَ وفي آخره: (قُلْتُ أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ).
          ورواية مَنْ سكت عن الوزن لا تعارِض مَنْ صَرَّح به، لأنَّها زيادةٌ مِنْ ثبتٍ، فقُبلت.
          وأثر ابن عبَّاس أخرجه الشَّافعيُّ عن سفيانَ عن أيُّوب عن قَتادة، عن أبي حسَّان مسلمٍ الأعرج، عن ابن عبَّاس قال: أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَنَّ اللهَ أَحَلَّهُ وَأَذِنَ فِيهِ وَقَرَأَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ..} الآية [البقرة:282]، ورواه ابن أبي شَيبة، عن وَكيعٍ عن هشام، حدَّثنا قَتادة.
          وأثر أبي سعيد أخرجه البَيْهَقيُّ مِنْ حديث نُبَيْحٍ العَنَزيِّ عنه: ((السَّلَمُ كَمَا يَقُومُ السِّعْرُ رِبًا وَلَكِنْ كَيْلٌ مَعْلُومٌ، إِلَىْ أَجَلٍ مَعْلُومٍ)).
          وأثرُ ابن عمر أخرجَه ابنُ أبي شَيبةَ عن ابن نُميرٍ، عن عبيد الله عن نافع عنه. وأخبرنا ابنُ أبي زائدة عن حجَّاجٍ عن وبرةَ قال: قال ابن عمر: ((لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ إِذَا كَانَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ)). ورواه ابن بُكير، عن مالكٍ عن نافع، عن مولاه قال: يريد _والله أعلم_ أن يسلفه في زرعٍ بعينه أو ثمره بعينه، فلا يجوز، لأنَّ بيع أعيان الثِّمار على رؤوس الأشجار إنَّما يجوز إذا بدا فيها الصَّلاح.
          واختلف العلماءُ في أجَل السَّلم، فقال مالكٌ والكوفيُّون وجمهور الفقهاء _كما نقلَه ابنُ بَطَّال عنهم_: إنَّه لا يجوز السَّلم الحالُّ، ولا بدَّ فيه مِنْ أجلٍ معلوم. وقد أسلفنا روايةَ ابنِ القاسم وابن عبد الحكم عن مالكٍ.
          وقال الشَّافعيُّ وأبو ثور: يجوز السَّلم بغير ذكر أجلٍ أصلًا. وانتصَر ابنُ بَطَّال فقال: هذا خلاف الحديث، لأنَّه ◙ قال: ((مَنْ أَسْلَمَ)) فأتى بلفظ العموم، وقد سلف جوابُه، وأيضًا فإنَّه أحلَّ الأجل محلَّ الكيل والوزن، وقرَنه بهما، فلمَّا لم يجز العقدُ إذا عدم صفةَ الكيل والوزن، فكذلك الأجل يجب اعتبارُه، كما لو قال: صلِّ على صِفة كذا لم يجز العدولُ عنها.
          احتجَّ الشَّافعيُّ أنَّ السَّلم بيع مِنَ البيوع، وهي تجوز بثمنٍ معجَّل ومؤجَّل، فكذا هو، قيل: إنَّه ينتقض بجواز السَّلم في المعدوم، وهو يجوز مؤجَّلًا فقط، ولـمَّ لم يُجِزِ ابنُ عمرَ السَّلم في زرع لم يبدُ صلاحُه لأنَّه سَلمٌ في عين، وحُكم السَّلم ألَّا يكون في عينٍ معلومة، وإنَّما يكون في الذِّمَّة لا ينفسخ بموت أحد العاقدين في السَّلم، ولا بجائحةٍ تنزل، وهذا مذهب أهل الحجاز، إلَّا أنَّ مالكًا أجاز السَّلم في طعامِ بلدٍ بعينه إذا كان الأغلب فيه أن لا يخلف.
          ولم يختلفِ العلماءُ أنَّه / لا يجوز أن يكونَ السَّلم في قمحِ فدَّانٍ بعينه، لأنَّه غَرَر، ولا يُدرى هل يتمُّ زرعُه أم لا، ويجوز عند جميعهم أن يكون السَّلم في زمنٍ يكون فيه الزَّرعُ قد بدا صلاحُه إذا لم يكن يعيِّن زرعًا ما، فإن أسلم في ثمر حائطٍ بعد طِيبه أو في زرعٍ بعدما أفرك فعن ابن القاسم أنَّه كَرِهَه، وإن مات لم يفسخ، وليس بالحرام البيِّن، ولا يجوز عند سائر الفقهاء، لأنَّه كبيع عين اشتَرط فيها تأخيرَ القبضِ، وهو لا يجوز، لأنَّ مِن شرط البيع تسليمُ المبيع.
          وفي قوله: (أَسْلَمُوا فِي الثِّمَار) إجازة السَّلم في الثِّمار كلِّها، لعموم لفظه، وهو قول ابن عمر: لا بأس بالسَّلم في الطَّعام بسعرٍ معلوم، فإنَّ العلماء اختلفوا في رأسِ مال السَّلم، فقال مالكٌ: لو أسلم إليه عروضًا أو تِبرًا أو فضَّة مكسورة جِزافًا صحَّ السَّلم، ولا يجوز أن يُسْلِم إليه دينارًا أو دراهمَ جزافًا، فرَّق بين التِّبر والدَّراهم والدَّنانير، لأنَّ التِّبر بمنزلة الثَّوب والسِّلعةِ عنده.
          وقال أبو حنيفة: لا يُسلَم إليه تبرٌ جزافًا، ولا شيءٌ ممَّا يُكال أو يوزن جِزافًا، وهو أحد قولي الشَّافعيِّ، وقال أبو يوسف ومحمَّد: يجوز أن يسلم إليه الدَّراهم والدَّنانير، وكلَّ ما يُكال أو يوزن جزافًا، وهو الأظهرُ مِنْ قولي الشَّافعيِّ، كثمن المبيع، ووجهُ مقابله أنَّه قد ينقطع، ويكون رأس المال تالفًا، فلا يُدرى بمَ يرجِعُ.