التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب السلم في النخل

          ░4▒ بَابُ: السَّلَمِ فِي النَّخْلِ.
          2247- 2248- ذكر فيه حديث عَمْرٍو، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، قَالَ: (سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، فَقَالَ: نُهِيَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حتَّى يَصْلُحَ، وَعَنْ بَيْعِ الوَرِقِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ).
          (وَسَأَلْتُ ابن عبَّاس عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، فَقَالَ: نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حتَّى يُؤْكَلَ مِنْه، أَوْ يَأْكُلَ مِنْه وَحَتَّى يُوزَنَ).
          2249- 2250- وفي رواية: (سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، فَقَالَ: نَهَى عُمَر عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ حتَّى يَصْلُحَ، وَنَهَى عَنِ الوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ.
          وَسَأَلْتُ ابن عبَّاس قَالَ: نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حتَّى يَأْكُلَ، أَوْ يُؤْكَلَ، وَحَتَّى يُوزَنَ. قُلْتُ: مَا يُوزَنُ؟ قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: حتَّى يُحْزرَ).
          حديثُ ابن عبَّاس سلف.
          و(عَمْرٍو) هو: ابن مُرَّة بن عبد الله المُراديُّ الجَمَليُّ الكوفيُّ، مات سنة ستَّ عشرة ومئة، وقيل: سنة ثماني عشرة، وكان أعمى.
          و(أَبُو البَخْتَرِيِّ) سعيد بن فَيْرُوز، أو ابن جُبير أو سعد قُتِلَ في الجماجم سنة ثلاث وثمانين، وقال الهيثم: قُتِلَ يوم دُجيل سنة إحدى وثمانين.
          إذا عرفت ذلك فقد اختَلف العلماء في هذا الباب، فقال الكوفيُّون والثَّوريُّ والأوزاعيُّ: لا يجوز السَّلم إلَّا أن يكون المسلَم فيه موجودًا في أيدي النَّاس مِنْ وقت العقد إلى حين وقت حلول الأجل، فإن انقطع في شيءٍ مِنْ ذلك لم يجزْ، وهو مذهب ابن عمر وابن عبَّاس على ما ذكره البخاريُّ في الباب.
          وقال مالك والشَّافعيُّ وأحمد وإسحاقُ وأبو ثور: يجوز السَّلم فيما هو معدوم مِنْ أيدي النَّاس، إذا كان مأمونَ الوجود عند حلول الأجل في الغالب، فإن كان ينقطع حينئذٍ لم يجزْ.
          احتجَّ الأوَّلون بأنَّه ◙ ((نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ))، وقالوا: مَنْ مات فقد حلَّ دَيْنُه، وإن لم يوجد كان غررًا، وهو فاسد، كما قال ابن القصَّار، لأنَّه قد يحلُّ الأجل ويتعذَّر السَّلَم بأن يموت المسلَم إليه أو / يفلِس، ولو وجب أن يمنع السَّلم لجواز ما ذكروه لوجب ألَّا يجوزَ بيعُ شيء نسيئةً، لأنَّه قد يطرأ على المشتري الموتُ والفلس قبل مَحَلِّ الأجل، فلا يصلُ صاحب الحقِّ إلى ماله، فيكون هذا غررًا، ولكنَّه جائزٌ، لأنَّ الناس يدخلون في وقت العقد على رجاء السَّلامة، ولم يكلَّفوا مراعاة ما يجوز أن يحدث ويجوز ألَّا يحدث.
          ولو أسلم في شيء إلى شهرٍ فإنَّ وقت المطالَبة التسليم فيه هو رأس الشَّهر، بدليل أنَّ الشَّيء لو كان موجودًا قبل الشَّهر لم يكن له المطالبة ولا للمسلَم إليه أن يجبره على مراعاة وجوده قبل المحلِّ وحين العقد، لأنَّ وجوده كعدمه، ولو كان المسلَم فيه موجودًا طول السَّنة إلَّا يومَ القبض فأسلم فيه إلى سنة، كان هذا السَّلم باطلًا بإجماع، وإن كان موجودًا عند العقد وطول السَّنة، لأنَّه حين المحلِّ والقبض معدوم، فعُلم بهذا الاعتبارُ بوجوده حينَ القبض لا حينَ العقد، والدَّليل على هذا أنَّهم كانوا يُسْلفون في عهده _◙_ التَّمرَ في السَّنة والسَّنتين، ومعلوم أنَّه إذا أسلم في التَّمر سنةً، فإنَّه يتخلَّل الأجلَ زمانٌ ينقطع فيه التَّمر، وهو زمنُ الشِّتاء، ثمَّ إنه ◙ أقرَّهم على ذلك ولم ينكر عليهم السَّلف في سنة وأكثر، فثبت ما قلناه.
          وأمَّا نَهْيُه ◙ عَنْ بَيْعِ الثِّمَار حَتَّى يَبْدُو صَلَاحُهَا، فهو محمولٌ عندنا على أنَّ بيع الثَّمرة عينًا لا يجوز إلَّا بعد بدو صلاحها، وفي السَّلم ليس عند العقد ثمرةٌ موجودة عند البائع تستحقُّ اسم البيع حقيقة، وحديث النَّهي عن بيع الثِّمار حتَّى يبدو صلاحُها مرتَّب على السَّلم، تقديره أنَّه نهى عن بيعها حتَّى يبدو صلاحُها، إلَّا أن يكون سلمًا، لحديث ابن عبَّاس: ((أَنَّهُم كَانُوا يُسْلِفُونَ فِي التَّمْرِ، السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ)) وذلك بيعٌ له قبلَ أن يبدوَ صلاحُه وقبل أن يخلق، وإذا جاز السَّلمُ في التمرة فقد جاز في الرُّطَب، والرُّطَب لا يوجد في سائر السَّنة كما يوجد التَّمر، فلا معنى لقولهم.
          وقال ابنُ التِّين: قول ابن عبَّاس في السَّلم في النَّخل، وذكرُه لنهي الشَّارع عن بيع النَّخل حتَّى يُؤكلَ واضحٌ، وهو الَّذي كان يفعله أهل المدينة أن يُسْلِفوا فيتمر نخلٍ بعينه، فأمرَهم الشَّارع أن يُسْلِفوا في كيل المعلوم، فإذا أسلم في ثمرة معيَّنة فهو شراء، ولا يجوز إلَّا بعد الزَّهو، وجائز أن يتأخَّر خمسة عشر يومًا ما لم ييبس، لضرورة النَّاس إلى أخذه شيئًا فشيئًا، والضَّرورةُ أباحتْه.