التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صاع من زبيب

          ░75▒ بَابٌ: صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ.
          1508- ذَكَرَ فيه حديثَ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدٍ عَنْ عِياضٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قال: (كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلعم صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قال: أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ).
          هذا الحديثُ أسلفناه بِطُرُقِهِ، و(السَّمْرَاءُ) الحنطةُ الشَّاميَّة، وهذا قاله معاويةُ على المنبرِ كما أخرجَهُ مسلمٌ، وهو معتمَدُ أبي حنيفةَ ومَن وافقَهُ في جوازِ نصفِ صاعِ بُرٍّ وقدَّمُوه على خبرِ الواحدِ، وخالفَهُ الجمهورُ في ذَلِكَ كما سَلَفَ ويجيبون بأنَّهُ قولُ صحابيٍّ قد خالفه أبو سعيدٍ الخُدْريُّ وغيرُهُ ممَّن هو أطوَلُ صُحبةً منه وأعلمُ بأحوالِ الشَّارعِ، وإذا اختلفت الصَّحابةُ لم يكن بعضُهم أَوْلى مِن بعضٍ فيُرجَعُ إلى دليلٍ آخرَ.
          وظاهرُ الأحاديثِ والقياسُ متَّفِقَةٌ على اشتراطِ الصَّاعِ مِن الحنطةِ كغيرِها فوجب اعتمادُه، وقد صرَّحَ معاويةُ بأنَّهُ رأيٌ رآهُ لا أَنَّهُ سمِعَهُ مِن رسولِ الله صلعم، ولو كان عندَ أحدٍ مِن حاضري مجلسِه _مع كثرتِهم تلك اللَّحظة_ عِلْمٌ في موافقةِ معاويةَ عن رسولِ الله صلعم لَذَكَرَهُ كما جرى في غيرِ هذِه القصَّة.
          وفيه الرُّجوعُ إلى النَّصِّ وطرحُ الاجتهادِ، وقد أسلفْنا عن أبي حنيفةَ أَنَّهُ انفَرَدَ بإخراجِ القيمةِ، وقال أبو يوسُفَ ومحمَّدٌ: ما سِوَى التَّمرِ والزَّبيبِ والشَّعيرِ يُخرَجُ بالقيمةِ، قيمةِ نصفِ صاعٍ مِن بُرٍّ، أو قيمةِ صاعٍ مِن شعيرٍ أو تمرٍ، وعن أبي حنيفةَ: لو أَعطيتَ في زكاةِ الفِطْرِ إِهْلِيلَجًا أجزأَ، والمرادُ قيمتُهُ.
          وفيه دِلالةٌ أَنَّ الصَّاع لا يُبعَّضُ وهو كذلك عندنا، قال ابنُ التِّين: ويَجري في مذهبِنا في ذَلِكَ قولان قياسًا على كفَّارةِ اليمينِ، فقد ذَكَرَ ابنُ القاسم عن محمَّدٍ: يُجزِئُ أن يكسوَ خمسَةً ويُطعِمَ خمسَةً. وفيه دِلالةٌ على أبي حنيفةَ في تجويزِه السَّويقَ والدَّقيقَ.