التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صدقة الفطر صاعًا من تمر

          ░74▒ بَابُ: صَدَقَةِ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ.
          1507- ذَكَرَ فيه حديث ابن عُمَرَ: (أَمَرَ النَّبِيُّ صلعم بِزَكَاةِ الفِطْرِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) قال عَبْدُ اللهِ: فَجَعَلَ النَّاسُ عدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وقد سَلَفَ.
          والَّذي عَدَلَ بذلك هو معاويةُ _كما ستعلمُه في الباب بعدَه_ لا كبارُ الصَّحابةِ كما قال ابنُ بطَّالٍ، وقال ابنُ عبد البَرِّ: رُوي أَنَّ عمرَ هو فاعلُ ذَلِكَ، وقيل: كان في زمنِ معاويةَ، ولئن كان كذلك فكان إذْ ذاك الصَّحابةُ متوافرين، ولا يجوزُ عليهم الغلطُ في مثلِ ذَلِكَ، ولم يقُلْ به معاويةُ في كلِّ بُرٍّ وإِنَّمَا قاله في سمراءِ الشَّامِ لِمَا فيها مِن الرَّيْعِ كما نبَّه عليه القاضي، وأخذ به أبو حنيفةَ والثَّوريُّ وجماعةٌ مِنَ السَلَفِ مِن الصَّحَابةِ والتَّابعينَ أَنَّهُ يُخرِج نصفَ صاعِ بُرٍّ لأحاديثَ فيه ضعيفةٍ وأنكرها مالكٌ.
          قال ابن المنذر: ورُوي عن أبي بكرٍ وعثمانَ ولا يثبُتُ عنهما، ورُوي عن عليٍّ وابنِ عبَّاس وابنِ مسعودٍ وجابرٍ وأبي هُريرةَ وابنِ الزُّبيرِ ومعاويةَ وأسماء، وبه قال سعيدُ بن المسيِّبِ وعطاءٌ وطاوسٌ ومجاهدٌ وعمرُ بنُ عبدِ العزيز، ورُوي ذَلِكَ عن سعيدِ بن جُبيرٍ وعروةَ وأبي سَلمةَ وابنِ المبارَكِ وأبي قِلابةَ وعبدِ الله بن شدَّادٍ ومصعبِ بن سَعْدٍ، قُلْتُ: واللَّيْثِ والأوزاعيِّ، واختُلِفَ عن عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ فرُوي عنهما القولان جميعًا.
          قُلْتُ: ورواه أبو داودَ عن عمرَ وَوُهِّيَ، وذهب الجمهورُ إلى إخراجِ صاعٍ كاملٍ فيه، ولهذا قال أبو سعيدٍ: أمَّا أنا فلا أزال أخرجُهُ كما كنتُ أخرجُهُ، وممَّن ذهبَ إليه الحسنُ البصريُّ وأبو العاليةِ وجابرُ بن زيدٍ ومالكٌ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقَ.
          فَرْعٌ: يتعيَّن عندنا غالبُ قوتِ البلدِ، وقيل قوتُه، وقيل: يتخيَّر بين الأقوات لظاهِرِ (أَوْ) المذكورةِ، وأجاب الأوَّلُ بأَنَّهَا للتَّنويعِ كَمَا في قولِه تعالى: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا}الآية[المائدة:33] ويُجزئ الأعلى عن الأدنى، والاعتبارُ بزيادةِ الاقتياتِ لا القيمةِ في الأصحِّ ((وكان صلعم لا يُخرج إلَّا التَّمرَ لأنَّه غالبُ قوتِ المدينة)) قال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشَّيخين. ولا يجزئ ببلدِنا مصرَ إلَّا البُرُّ لأَنَّهُ غالبُ قُوتِهم، وذَكَرَ عبدُ الرَّزَاقِ عن ابنِ عبَّاسٍ قال: مَنْ أدَّى تَمرًا قُبِلَ منه، ومَنْ أدَّى شعيرًا قُبِلَ منه، ومَنْ أدَّى سُلْتًا قُبِلَ منه صاعٌ صاعٌ.