شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلح بالدين والعين

          ░14▒ باب: الصُّلْحِ بِالعَينِ والدَّينِ
          فيه: كَعْبٌ: (أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أبي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم في الْمَسْجِدِ، حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلعم وَهُوَ في بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيهمِا فَقَالَ: يَا كَعْبُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ، فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: قُمْ فَاقْضِهِ). [خ¦2710]
          اتَّفق العلماء أنَّه إن صالح غريمه عن دراهم بدراهم أقلَّ منها أو عن ذهبٍ بذهبٍ أقلَّ منها(1) أنَّه جائزٌ إذا حلَّ الأجل، وإن أخَّره بذلك؛ لأنَّه حطَّ عنه وأحسن إليه ولا يدخله دينٌ في دينٍ، وقد قال صلعم: ((من أنظر معسرًا أو وضع عنه تجاوز الله عنه))ولا يجوز أن يحطَّ عنه شيئًا قبل حلول الأجل على أن يقضيه مكانه؛ لأنَّه يدخله ضع وتعجَّل، / وأمَّا إن صالحه بعد حلول الأجل عن دراهم بدنانير أو عن دنانير بدراهم لم يجز(2) إلَّا بالقبض؛ لأنَّه صرفٌ، فإن قبض بعضًا وبَقَّى بعضًا جاز فيما قبض وانتقض فيما لم يقبض، فإن كان الدين عرضًا فلا يجوز له في غير جنسه ممَّا يتأخَّر قبض جميعه؛ لأنَّه الدين بالدين، وإن كان ناجزًا فلا بأس به. هذا قول مالكٍ. وإذا تقاضاه مثل دينه عند حلول أجله(3) على غير وجه الصلح فإنَّه يقبضه مكانه، ولا يجوز أن يحيله به غريمه على من له عليه دينٌ؛ لأنَّه يكون الدين بالدين الذي نُهِي عنه، ولذا(4) قال صلعم: (قُمْ فَاقْضِهِ).


[1] في (ص): ((منه)).
[2] زاد في (ص): ((ذلك)).
[3] في (ص): ((الأجل)).
[4] في (ص): ((ولذلك)).