شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود

          ░5▒ باب: إِذَا اصْطَلَحُوا على جَوْرٍ فَهْوَ مَرْدُودٌ
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ: قَالا: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ. فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ. فَقَالَ الأعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا على هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لي: على ابْنِكَ الرَّجْمُ. فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا: إِنَّمَا على ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. فَقَالَ النَّبيُّ: لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وعلى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ، فَاغْدُ على امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا، فَغدَا(1) عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا). [خ¦2695] [خ¦2696]
          وفيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ منه فَهُوَ رَدٌّ). [خ¦2697]
          قال المؤلِّف(2): أمَّا قضاء النبيِّ صلعم في هذه القصَّة بكتاب الله فهو ردُّ الغنم والجارية اللذين أخذا بالباطل، وقد نهى الله تعالى عباده عن ذلك فقال: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}[البقرة:188]ولم يجز هذا الصلح لاشتراء حدود الله تعالى ببعض عرض الدنيا، وحدود الله لا تسقط ولا تباع ولا تشترى، وأجمع العلماء أنَّه لا يجوز الصلح المنعقد على غير السنَّة وأنَّه منتقضٌ، ألا ترى أنَّه ردَّ الغنم والوليدة وألزم ابنه من الحدِّ ما ألزمه الله تعالى، فقال النبيُّ صلعم: (مَنْ أَحدَثَ فِي أَمرِنا مَا لَيسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ) وبذلك كتب عُمَر بن الخطَّاب إلى أبي موسى الأشعريِّ في رسالته إليه يعلِّمه القضاء فقال: والصلح جائزٌ بين المسلمين إلَّا صلحًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا.
          وذهب مالكٌ وابن القاسم إلى أنَّ الصلح كالبيع، لا يجوز فيه المكروه ولا الغرر. وذكر ابن حبيبٍ عن مُطَرِّفٍ قال: كلُّ ما وقع به الصلح من الأشياء المكروهة التي ليست بحرام صُراح فالصلح بها جائز.
          قال ابن الماجِشون: إن عُثِر عليه بحدثانه فُسخ، وإن طال أمره مضى.
          وقال أصبغ: إن وقع الصلح بالحرام والمكروه مضى ولم يردَّ وإن عُثِر عليه بحدثان ذلك؛ لأنَّه كالهبة، ألا ترى أنَّه لو صالحه(3) من دعواه تنتقض لم يكن فيه شفعةٌ؛ لأنَّه كالهبة، وقد حدَّثنا سفيان بن عيينة أنَّ عليَّ بن أبي طالبٍ أُتي بصلحٍ فقرأه فقال: هذا حرامٌ، ولولا أنَّه صلحٌ لفسخته. قال ابن حبيبٍ: وقول مُطَرِّفٍ وابن الماجشون أحبُّ إليَّ، لموافقته في(4) قوله في الحديث: إلَّا صلحًا أحلَّ / حرامًا أو حرَّم حلالًا.


[1] في (ز): ((فعدل)) والمثبت من (ص).
[2] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (ص) وبعدها فيها: ((وأما)).
[3] في (ص): ((صالح)).
[4] قوله: ((في)) ليس في (ص).