شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: هل يشير الإمام بالصلح؟

          ░10▒ باب: هَلْ يُشِيرُ الإمَامُ بِالصُّلْحِ
          فيه: عَائِشَةُ: (سَمِعَ النَّبيُّ صلعم صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمْ، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ في شَيْءٍ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لا أَفْعَلُ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ صلعم فَقَالَ: أَيْنَ الْمُتَأَلِّي على اللهِ لا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فلَهُ أيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ). [خ¦2705]
          وفيه: كَعْبٌ: (أَنَّهُ كَانَ لَهُ على عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ(1) مَالٌ، قال: فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا النَّبيُّ صلعم فَقَالَ: يَا كَعْبُ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ النِّصْفَ، فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ(2)، وَتَرَكَ نِصْفًا). [خ¦2706]
          قال المُهَلَّب: في هذين الحديثين الحضُّ على الرفق بالغريم والإحسان إليه والوضع عنه. قال المُهَلَّب: وفي حديث عائشة النهي عن التألِّي على الله تعالى؛ لأنَّ فيه معنى الاستبداد بنفسه والقدرة على إرادته، فكأنَّه لمَّا حتَّم بألَّا يفعل شابه ما يدَّعيه القدريَّة من إثبات القدرة لأنفسها، فوبَّخه النبيُّ صلعم بقوله، ففهم ذلك ورجع عن تألِّيه ويمينه، وقال: (لَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ) من الوضع عنه أو الرفق به متبرِّئًا من الفعل إلى الله ╡، وردَّ الحول والقوَّة إليه تعالى، ويمينه إن كانت بعد نزول الكفَّارة ففيها الكفَّارة.
          وفي حديث كعبٍ أصل قول الناس في حضِّهم على الصلح: خير الصلح الشطر؛ لأنَّه صلعم أمره بوضع النصف / عن غريمه فوضعه عنه.


[1] قوله: ((ابن أبي حدرد الأسلمي)) زيادة من (ص). وكذا قوله بعدها: ((قال)).
[2] في (ص): ((فَأَخَذَ النِصْف ممَا عَلَيْهِ)).