شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا أشار الإمام بالصلح فأبى حكم عليه بالحكم البين

          ░12▒ باب: إِذَا أَشَارَ الإمَامُ بِالصُّلْحِ فَأَبَى حُكَمَ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ الْبَيِّنِ
          فيه: الزُّبَيْرُ: (أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إلى رَسُولِ اللهِ صلعم في شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ كَان(1) يَسْقِيَانِ بِهِ كِلاهُمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم لِلْزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ إلى جَارِكَ، فَغَضِبَ الأنْصَارِيُّ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ(2) آنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلعم ثُمَّ قَالَ: اسْقِ، ثُمَّ احْبِسْ(3) حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ، فَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللهِ صلعم حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلْزُّبَيْرِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ على الزُّبَيْرِ بِرَأْي سَعَةٍ لَهُ وَلِلأنْصَارِيِّ، فَلَمَّا أَحْفَظَ الأنْصَارِيُّ رَسُولَ اللهِ صلعم اسْتَوْعَى لِلْزُّبَيْرِ حَقَّهُ في صَرِيحِ الْحُكْمِ). [خ¦2708]
          قَالَ عُرْوَةُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا في ذَلِكَ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ(4)} الآية[النساء:65].
          قال المُهَلَّب: الترجمة صحيحةٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلعم أمر أن يسقي وأخذ(5) بأيسر ما يكفيه من الماء، ثمَّ يرسله إلى جاره، فأبى ذلك جاره، واتَّهم النبيَّ صلعم في الحكم وأساء الظنَّ بالنبوَّة من الجور والميل، فغضب النبيُّ صلعم، وأمر(6) الزبير أن يسقي ويمسك الماء حتَّى يبلغ إلى منتهى حاجته، واستوعى الزبير حقَّه ولم يحمله غضبه ◙ على أكثر من أنَّه استوعى له حقَّه، ونزل القرآن بتصديقه، وهو قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ شَجَرَ بَيْنَهُمْ(7)}[النساء:65]. يعني: لا يؤمنون إيمانًا كاملًا؛ لأنَّه لا يخرج من الإيمان بخطرةٍ أخطرها الشيطان ونزغ بها.
          وفيه من الفقه: أنَّه لا ينبغي ترك الاقتداء بالنبيِّ صلعم في غضبه ورضاه وجميع أحواله، وأن يكظم المؤمن غيظه ويملك نفسه عند غضبه، ولا يحملها على التعدِّي والجور، بل يعفو ويصفح.
          وقوله: (أَحْفَظَ الأَنْصَارِيُّ) يعني: أغضبه.


[1] في (ص) ((كانا)).
[2] قوله: ((لْزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ إلى جَارِكَ، فَغَضِبَ الأنْصَارِيُّ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ)) ليس في (ص).
[3] زاد في (ص): ((الماء)).
[4] قوله: ((فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((ويأخذ)).
[6] في (ص): ((فأمر)).
[7] قوله: ((فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)) ليس في (ص) ومكانها: ((الآية)).