شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب آنية المجوس والميتة

          ░14▒ باب: آنِيَةِ المَجُوسِيِّ والمَيتَةِ
          فيه: أَبُو ثَعْلَبَةَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَنَأْكُلُ في آنِيَتِهِمْ؟ فَقَالَ: لا تَأْكُلُوا في آنِيَتِهِمْ، إِلَّا أَنْ لا تَجِدُوا بُدًّا، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا بُدًّا، فَاغْسِلُوا وَكُلُوا) الحديث. [خ¦5496]
          وفيه: سَلَمَةُ بْنُ الأكْوَعِ: (لَمَّا أَمْسَوْا يَوْمَ فَتَحُوا خَيْبَرَ، وَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: عَلامَ أَوْقَدْتُمْ هَذِهِ النِّيرَانَ؟ قَالُوا: لُحُومِ الْحُمُرِ الإنْسِيَّةِ، قَالَ: أَهْرِيقُوا مَا فِيهَا، وَاكْسِرُوا قُدُورَهَا، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: نُهَرِيقُ مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا، فَقَالَ صلعم: أَوْ ذَاكَ). [خ¦5497]
          قال المُهَلَّب: معنى ذكر آنية المجوسيِّ في هذه التَّرجمة، وذكر سؤال أبي ثعلبة للنَّبيِّ صلعم عن آنية أهل الكتاب من أجل أنَّ أهل الكتاب لا يتحرَّزون من الميتة والخنزير والخمر، ويخلصون(1) أعناق الحيوان وذلك ميتة كطعام المجوس، وقد جاء هذا المعنى مبينًا في حديث أبي ثعلبة الخُشَنيِّ قال: قلت: يا رسول الله، إنَّ أرضنا أرض أهل كتابٍ وإنَّهم يأكلون لحم الخنزير، ويشربون الخمر، فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم؟ فقال: ((إن لم تجدوا غيرَها فارحضوها واطبخوا فيها واشربوا)) فأباح صلعم غسل ما جُعِل فيه الخنزير والخمر، واستعمال الأواني. والعلماء مجمعون على أنَّ الماء مطهِّرٌ لكلِّ نجاسةٍ من جميع أواني الشَّراب وغيرها إلَّا ما روى أشهب عن مالكٍ في زقاق الخمر أنَّها لا تطهر بالغسل؛ لأنَّها تشرب الخمر / وذلك مخالفٌ لجميع الظُّروف.
          وأمَّا حديث تحريم الحُمُر في هذا الباب فهو بيِّنٌ؛ لأنَّ الحمر قد ثبت تحريمها فهي كالميتة، وأباح النَّبيُّ صلعم القدور بعد غسلها، وكذلك آنية المجوس يجوز استعمالها بعد غسلها؛ لأنَّ ذبائحهم ميتةٌ، وذكر ابن حبيبٍ، عن ابن عبَّاسٍ أنَّه قيل له: إنَّا نغزو أرض الشِّرك، وننزل بالمجوس وقد طبخوا في قدورهم الميتة، والدَّم، ولحم الخنزير، فقال: ما كان من حديدٍ أو نحاسٍ فاغسلوه بالماء ثمَّ اطبخوا فيه، وما كان من فخَّارٍ فاغلوا فيها الماء، ثمَّ اغسلوها واطبخوا فيها، فإنَّ الله جعل الماء طهورًا)) وسيأتي الكلام في ظروف الخمر هل تُضمَن إذا كُسرَت في كتاب المظالم، إن شاء الله. [خ¦2477]


[1] كذا صورتها في (ص) وتحتمل: ((يخلعون)) وبيض لها في المطبوع، والمثبت من التوضيح.