شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد أو ماشية

          ░6▒ باب: مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ
          فيه: ابْنُ عُمَر، قَالَ صلعم: (مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ، نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَين(1)). [خ¦5480]
          وقال مرَّةً: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: (مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إِلَّا كَلْبَ ضَارِي(2) لِصَيْدٍ، أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يُنْقِصُ(3) مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَين).
          كان ابن عمر يجيز اتِّخاذ الكلب للصَّيد والماشية خاصَّةً على نصِّ حديثه، ولم يبلغه ما روى غيره في ذلك. وقد روى مالكٌ، عن يزيد بن خُصَيْفة أنَّ السَائب بن يزيد أخبره أنَّه سمع سفيان بن أبي زهيرٍ يحدِّث ((أنَّه سمع النَّبي صلعم يقول: من اقتنى كلبًا لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا نقص من عمله كلَّ يومٍ قيراطٌ)).
          ويدخل في معنى الزَّرع الكرم والثِّمار وغير ذلك، ولم يختلف العلماء في تأويل قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}[الأنبياء:78]أنَّه كان كرمًا، وروى عبد الله بن مُغَفَّل أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((من اتَّخذ كلبًا ليس بكلب صيدٍ ولا ماشيةٍ ولا حرثٍ)) ويدخل في معنى الزَّرع والكرم منافع البادية كلُّها من الطَّارق وغيره.
          وقد سُئل هشام بن عروة عن اتِّخاذ الكلب للدَّار، فقال: لا بأس به إذا كانت الدَّار مخوفةً.
          فأمَّا ما روي عنه صلعم في حديث سفيان بن أبي زهيرٍ: ((قيراط)) وفي حديث ابن عمر: ((قيراطان)) فيحتمل _والله أعلم_ أنَّه صلعم غلَّظ عليهم في اتِّخاذ الكلاب، لأنَّها تروع النَّاس، فلم ينتهوا؛ فزاد في التَّغليظ فجعل مكان القيراط قيراطين.
          وقد روى حمَّاد بن زيدٍ، عن واصلٍ مولى أبي عيينة قال: سأل سائلٌ الحسن فقال: يا أبا سعيدٍ، أرأيت ما ذكر في الكلب أنَّه ينقص من أجر أهله كلَّ يومٍ قيراطٌ، بم ذلك؟ قال: لترويعه المسلم.


[1] كذا في (ص): ((قيراطين)) وهي رواية الأصيلي وابن عساكر.
[2] كذا في (ص) وهي رواية لأبي ذر: ((كلب ضاري)).
[3] الناسخ للملف ضبطها: ((يَنقُص)).