شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب أكل الجراد

          ░13▒ باب: الجَرَادِ
          فيه: ابْنُ أبي أَوْفَى: (غَزَوْنَا مَعَ النَّبيِّ صلعم سَبْعَ غَزَوَاتٍ _أَوْ سِتًّا_ كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ). [خ¦5495]
          اختلف النَّاس في الجراد فقال الكوفيُّون: يؤكل الجراد كيفما مات، وهو قول الشَّافعيِ، وقال مالكٌ: إن وجده ميتًا لم يأكله حتَّى يقطع رؤوسه أو يطرح في النَّار وهو حيٌّ من غير أن تقطف رؤوسه فهو حلالٌ. ومن أجاز أكله ميتًا جعله من صيد البحر كطافي الحيتان يجوز أكلها.
          وذكر الطَّبريُّ عن ابن عبَّاسٍ أنَّه قال: الجراد ذكيٌّ حيُّه وميِّته. وذكر عبد الرَّزَّاق أنَ ابن عبَاسٍ قال: كان عمر يأكل الجراد، ويقول: لا بأس به؛ لأنَّه لا يذبح. وعن عليِّ بن أبي طالبٍ أنَّه قال: الجراد مثل صيد البحر، وهو قول عطاءٍ. وأمَّا مالكٌ فهو عنده من صيد البرِّ، ولا يجوز أكله إلَّا بذكاةٍ، وهو قول ابن شهابٍ وربيعة. وكان علقمة يكره الجراد ولا يأكله.
          قال الأَبهَريُّ: والدَّليل على أنَّه من صيد البرِّ أنَّ المحرم يجوز له صيد البحر وهو ممنوعٌ من صيد الجراد، وذلك لئلَّا يقتله، فعلم أنَّه من صيد البرِّ، وإذا كان ذلك كذلك فيحتاج إلى ذكاةٍ إلَّا أنَّ ذكاته حسب ما تيسَّر، كما يكون في الصَّيد ذكاته حسب ما يقدر عليه من الرَّمي وإرسال الكلب؛ لأنَّه لا يتمكَّن من ذبحه من الحلق واللَّبَّة، كذلك الجراد تذكيته كيفما تيسَّر؛ لأنَّه لا حلق له ولا لبَّة، ولمَّا كان يعيش في البرِّ وجب أن يفارق السَّمك فلا يستباح إلَّا بما يقوم مقام الذَّكاة من أخذه كيف تيسَّر؛ لأنَّ صيد البرِّ لم يسامح فيه بغير ذكاةٍ كما سومح في صيد البحر.