شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الخذف والبندقة

          ░5▒ باب: الخَذْفِ والبُنْدَقَةِ
          فيه: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: لا تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم: (نَهَى عَنِ الْخَذْفِ _أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ_ وَقَالَ: إِنَّهُ لا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ، وَلا يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ، ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ _أَوْ كَرِهَ الْخَذْف_ وَأَنْتَ تَخْذِفُ، لا أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا). [خ¦5479]
          والخذف عند أهل اللُّغة: الرَّمي بالحصاة والعصا.
          قال المُهَلَّب: وأباح الله الصَّيد في كتابه على صفة اشترطها تعالى من الاصطياد بالأيدي والرِّماح بقوله: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}[المائدة:94]فمعنى الأيدي: الذَّبح، ومعنى الرِّماح: كلُّ ما رميت به الصَّيد بنوعٍ من أنواع فعل اليد من الخزق لجلد الصَّيد، وإنفاذ مقاتله، وليس البندقة والخذف بالحجر من ذلك المعنى، وإنَّما هو وقيذٌ، وقد حرَّم الله الموقوذة، وبيَّن ذلك نبيُّه صلعم أنَّ الخذف لا يصاد به صيدٌ؛ لأنَّه ليس من المُجهِزات، فدلَّ أنَ الحجر لا تقع به ذكاةٌ.
          وأئمَّة الفتوى بالأمصار على / أنَّه لا يجوز أكل ما قتلته البندقة والحجر، واحتجُّوا بحديث عبد الله بن مُغَفَّلٍ، وأجاز ذلك الشَّاميُّون، فخالفوا حديث ابن مُغَفَّلٍ، ولا حجَّة لمن خالف السُّنَّة، وإنَّما الحجَّة العمل بها، وقد ذكرنا ذلك في باب صيد المعراض. [خ¦5476]
          قال المُهَلَّب: فيه من الفقه أنَّ من خالف السُّنَّة أنَّه لا بأس بهجرانه وقطع الكلام عنه، وليس يدخل هجرانه تحت نهي النَّبيِّ صلعم عن أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، يدلُّ على ذلك أمر الرَّسول صلعم بذلك في كعب بن مالكٍ وصاحبيه.
          وفيه: وجوب تغيير العالم ما خالف العلم.