عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول النبي: نصرت بالصبا
  
              

          ░26▒ (ص) بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : «نُصِرْتُ بِالصَّبَا».
          (ش) أي هذا بَابٌ في بيانِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : «نُصِرْتُ بِالصَّبَا»، وذكر أبو حَنيفةَ في «كتاب الأنْواءِ»: أنَّ خالد بن صَفوان قال: الرِّياح أربعٌ: الصَّبا ومهبُّها فيما بين مطلعِ الشَّرطينِ إلى القُطب، ومهبُّ الشَّمال فيما بينَ القُطب إلى مَسقَطِ الشَّرطين، وما بينَ مَسقَطِ الشَّرطينِ إلى القُطب الأسفلِ مَهَبُّ الدَّبور، وما بين القُطب الأسفلِ إلى مَطلَع الشرطين مهبُّ الجنوب.
          وحُكيَ عن جعفر بن سعد بن سمُرة أنَّهُ قال: الرِّياحُ ستٌّ: القَبولُ؛ وهي الصَّبا، ومخرجها ما بين المشرقينِ، وما بين المغربينِ الدَّبورُ، وزاد: النَّكباء ومَحْوَة، وقال الجَوْهَريُّ: الصَّبا: ريحٌ مَهبُّها المستوي موضعُ مطلعِ الشَّمس إذا استوى اللَّيل والنَّهار، والدَّبور: الرِّيح الذي يُقابِلُ الصَّبا، ويقال: الصَّبا _مقصورة_ الريح الشَّرقيَّة، والدَّبور _بفتح الدال_ الرِّيح الغربيَّة، ويُقال: الصَّبا التي تجيءُ مِن ظَهرِكَ إذا استقبلتَ القِبْلة، والدَّبور: التي تجيء مِن قِبَلِ وجهِكَ إذا استقبلتَها، وعنِ ابنِ الأعرابيِّ أنَّهُ قال: مَهَبُّ الصَّبا مِن مطلع الثُّريَّا إلى بناتِ نَعْشٍ، ومَهَبُّ الدَّبور مِن مَسقط النَّسر الطائر إلى سُهَيل، والصَّبا ريحُ البَرْد، والدَّبور ريحُ الصَّيف، وعن أبي عُبَيدة: الصَّبا للإلذاذ، والدَّبور للبلاء، وأهونُه أن يكون غُبارًا عاصفًا، يُقذي الأعيُنَ، وهي أقلُّهنَّ هُبوبًا.
          وفي التفسير: ريحُ الصَّبا: هي التي حَمَلت ريحَ يوسف ◙ قبلَ البشير إليه، فإليها يستريحُ كلُّ مَحزونٍ، والدَّبور: هي الريحُ العقيم، تقول: صَبًا صَبَيَان وصَبَوَات، وأصْباءٌ، وكتابتُها بالألف؛ لقولهم: صَبَتِ الريحُ تَصبُو صَبًا؛ إذا هبَّت، وقال أبو عليٍّ: الصَّبا والدَّبور يكونانِ اسمًا وصفةً، و«الدَّبور» يُجمَعُ على «دُبُر» و«دَبائِر»، ويُجمَعُ «قَبول» على «قَبائل»، يُقال: قَبَلَت الريحُ تَقْبُلُ قُبولًا، ودَبَرت تَدْبُرُ دُبورًا، ويقال: أقبلنا؛ مِنَ القُبول، وأصبَيْنا؛ مِنَ الصَّبا، وأدْبَرنا؛ مِنَ الدَّبور، فنحنُ مُصبُونَ ومُدبِرونَ، فإذا أردتَ أنَّها أصابتْنا؛ قلتَ: قُبِلنا فنحنُ مَقبولون، وصُبِينا فنحن مُصبونَ ومُصبِيُّون، ودُبِرنا فنحن مَدبُورون.