عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا
  
              

          ░3▒ (ص) باب سُؤَالِ النَّاسِ الإِمَامَ الاِسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ سؤالِ الناسِ الإمامَ.
          فقوله: (سُؤَالِ النَّاسِ) مصدرٌ مضافٌ إلى فاعله، وقوله: (الإِمَامَ) بالنصب مفعولُه، و(الاِسْتِسْقَاءَ) بالنصب مفعولٌ آخَرُ.
          فَإِنْ قُلْتَ: الفعل مِن غير أفعال القلوب لا يجيء له مفعولانِ صريحان، بل يجيءُ إذا كان أحدُهما غيرَ صريح، وكيف هو ههنا؟
          قُلْت: الذي قلتَه هو الأكثرُ، وقد يجيءُ مطلقًا، أو نقول: انتصابُ (الاستسقاءَ) بنزعِ الخافض؛ أي: عنِ الاستسقاء، يقال: سألتُه الشيءَ، وسألتُه عنِ الشيء.
          قوله: (إِذَا قَحَطُوا) على صيغةِ المعلوم، بفتح القافِ والحاءِ، وبلفظ المجهولِ، يُقال: قَحَط المطرُ قُحوطًا؛ إذا احتَبَسَ، وحكى الفَرَّاء: قَحِطَ؛ بالكسر، وجاء: (قُحِطَ القومُ) على صيغة المجهول (قَحْطًا).
          وقال الكَرْمَانِيُّ: ما معنى المعروف؛ إذِ المطرُ هو المحتبِسُ، لا الناس؟ فأجاب: بأنَّه مِن بابِ القَلْب، أو إذا كان هو مُحتبِسًا عنهم؛ فهم مُحتبِسون عنه.
          قيل: لو أدخل البُخَاريُّ حديثَ ابن مسعود المذكور في البابِ الذي قبله؛ لكان أنسبَ وأوضَحَ.
          وأجيب: / بأنَّ الذي سأل قد يكون مُشرِكًا، وقد يكون مُسلِمًا، وقد يكون مِنَ الفريقين، والسائلُ في حديثِ ابن مسعود كان مُشرِكًا حينئذٍ، فناسَبَ أن يَذكُرَ في الذي بعده مَن يشملُ الفريقين؛ فلذلك ذَكَر في الترجمة ما يشملُهما، وهو لفظُ (الناس).