عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط
  
              

          ░13▒ (ص) بابٌ إِذَا اسْتَشْفَعَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْقَحْطِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ ترجمتُه: (إِذَا اسْتَشْفَعَ...) إلى آخِرِه، ولم يذكر جوابَ (إِذا) ؛ اكتفاءً بما وَقَع في الحديث؛ لأنَّ فيه أنَّ أبا سفيانَ استشفعَ بالنَّبِيِّ صلعم ، وسأله أن يدعوَ الله؛ ليرفَعَ عنهم ما ابتلاهُم به مِنَ القَحْط، وأبو سفيان إذ ذاك كان كافرًا.
          [فَإِنْ قُلْتَ: ليس في الحديثِ التصريحُ بدعاء النَّبِيِّ صلعم ، ولم يُعلَمْ منه حكمُ الباب، فكيف الاكتفاءُ به؟
          قُلْت: سيأتي هذا الحديثُ في (تفسير / سورة ص) بلفظ: (فاستسقى لهم فسُقُوا)، والحديثُ واحدٌ، وأيضًا صرَّح بذلك في زيادة أسباطٍ، على ما يأتي الآن]
.
          لا يُقال: كان استشفاعُه عقيبَ دعاء النَّبِيِّ صلعم عليهم؛ لأنَّا نقول: هذا لا يضرُّ بالمقصود؛ لأنَّ المرادَ منه استشفاعُ الكافر بالمؤمنِ مطلقًا، وقد وُجِدَ في الحديث ذلك، على أنَّهُ لا فرقَ بين الوجهين؛ لأنَّ فيه إظهارَ التضرُّع والخضوعِ منهم، ووقوعَهم في الذِّلَّة، وفيه عزَّةُ المؤمنين، وقال بعضُهم: لا دلالةَ فيما وقع مِنَ النَّبِيِّ صلعم في هذه القضيَّة على مشروعيَّة ذلك لغيرِ النَّبِيِّ صلعم ؛ إذِ الظاهرُ أنَّ ذلك من خصائصِه؛ لاطِّلاعه على المصلحةِ في ذلك، بخلاف مَن بعدَه مِنَ الأئِمَّة، انتهى.
          قُلْت: لا دليلَ هنا على الخصوصيَّة، وهي لا تثبتُ بالاحتمال، على أنَّ ابن بَطَّالٍ قال: استشفاعُ المشركين بالمسلمين جائزٌ إذا رُجيَ رجوعُهم إلى الحقِّ، وكانت هذه القضيَّة بِمَكَّةَ قبل الهجرة.