عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض}
  
              

          ░40▒ (ص) بابُ قَوْلِ الله ╡ : {فإذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله}[الجمعة:10].
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان المرادِ مِن ذِكر قول الله ╡ : ({فَإِذَا قُضِيَتِ...}) وأراد بذكر هذه الآية الكريمة هنا الإشارةَ إلى أنَّ الأمر في قوله: ({فَانْتَشِرُوا}) والأمر في قوله: ({وَابْتَغُوا}) للإباحة لا للوجوب؛ لأنَّهم مُنِعوا عنِ الانتشار في الأرض للتكسُّب وقت النداء يومَ الجمعة؛ لأجل إقامة صلاةِ الجمعة، فلمَّا صَلَّوا وفرغوا؛ أُمِروا بالانتشار في الأرض والابتغاء مِن فضل الله؛ وهو رزقه، وإِنَّما قلنا: هذا الأمر للإباحة؛ لأنَّه لمنفعةٍ لنا، فلو كان للوجوب لعاد علينا؛ وذلك كما في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة:2]، فَإِنَّهُ حَرَّم عليهم الصيد وهم مُحرِمُون، فلمَّا خرجوا عنِ الإحرام أُحِلَّ لهم الصيد؛ كما كان أَوَّلًا، وقال ابن التِّين: جماعةُ أهل العلم على أنَّ هذا إباحةٌ بعد الحَظْرِ، وقيل: هو أمرٌ على بابه، وعن الداوديِّ: هو إباحةٌ لِمَن كان له كَفاف أو لا يطيق التكسُّب، وفُرِضَ على مَن لا شيء له ويطيق التكسُّب، وقال غيره: مَن تُعُطِّفَ عليه بسؤالٍ أو غيره ليس طلبُ التكسُّب عليه بفريضة، وفي «تفسير النَّسَفِيِّ»: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} فُرِغَ منها، {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} للتجارة والتصرُّف في حوائجكم، {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} أي: الرزق، ثُمَّ أطلق لهم ما حظر عليهم بعد قضاءِ الصلاة مِنَ الانتشار، وابتغاء الربح مَعَ التوصية بإكثار الذكر وألَّا يلهيهم شيءٌ مِنَ التجارة ولا غيرها عنه، وهما أمرُ إباحةٍ وتخيُّرٍ؛ كما في قوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة:2]، وعن أنس ☺ : قال رسول الله صلعم في قول الله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} ليس لطلب دنياكم، ولكن عيادة مريضٍ وحضور جنازةٍ وزيارة أخٍ في الله، وقيل: صلاة تطوُّع، وقال الحسن وسعيد بن جُبَير ومحكولٌ: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} هو طلبُ العلم، وقال جعفرٌ الصادق ☺ : {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} يوم السبت.