عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب
  
              

          ░36▒ (ص) بابُ الإنْصَاتِ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالإمَامُ يَخْطُبُ، وإذَا قال لِصَاحِبِهِ: أنْصِتْ؛ فقَدْ لَغَا.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان حكم الإنصات يومَ الجمعة في حالةِ خُطبة الإمام.
          قوله: (وَالإمَامُ يَخْطُبُ) جملةٌ حاليَّةٌ؛ ذكرها للإشعار بأنَّ وجوبَ الإنصاتِ قبلَ شروع الإمام فيها لا يجبُ، خلافًا لقومٍ في ذلك، ولكنَّ الأَوْلى الإنصات مِن وقت خروجِ الإمام.
          قوله: (وإذَا قال لِصَاحِبِهِ: أنْصِتْ؛ فقَدْ لَغَا) مِن جملةِ الترجمة، وهو لفظ حديث الباب في بعضِ طُرُقه، وهي رواية النَّسائيِّ عن قُتيبة عنِ الليث عنِ عُقَيلٍ عن الزُّهْريِّ عن سعيد بن المُسَيَِّبِ عن أبي هُرَيْرَة عنِ النَّبِيِّ صلعم قال: «إذا قال الرجل لصاحبه يوم الجمعة، والإمامُ يخطُب: أنصِت؛ فقد لغا» وبهذا السند روى التِّرْمِذيُّ أيضًا عن قُتيبة عنِ اللَّيث... إلى آخره، ولفظه: «مَن قال يومَ الجمعة والإمام يخطب: أنصِت؛ فقد لغا».
          قوله: (لِصَاحِبِهِ) المراد به: جليسه، وقيل: الذي يخاطبه بذلك مُطلقًا، وإِنَّما / أطلق عليه الصاحبَ باعتبار أنَّهُ صاحبه في الخطاب أو الجلوس.
          قوله: (أَنْصِتْ) أمرٌ مٍن أنصَتَ يُنصِت إنصاتًا، وقال أبو المعالي في «المنتهى»: نصَتَ ينصت؛ إذا سكَتَ، وأنصَتَ لغتان؛ أي: استمع، يقال: أَنصَتَه وأنصتَ له، وينشد:
          إذا قالت حَذَامِ فأنصِتُوهَا
          ويروى: فصدِّقوها، وفي «المُحكَم»: أنصَتَ أَعْلى، و«النُّصتة» الاسم مِنَ «الإنصات»، وفي «الجامع»: والرجلُ ناصِتٌ ومُنصِتٌ، وفي «المُجمَل» و«المُغرِب»: الإنصات: السُّكوتُ للاستماع، وأنشَد الراغب في «المجالسات»:
          السمعُ للعين والإنصاتُ للأذن
          وقد مرَّ عن قريبٍ (باب الاستماع إلى الخُطبة)، وقد ذكرنا هناك أنَّ (الاستماع) هو الإصغاء، ويُعلَم الفرقُ بين (الاستماع) و(الإنصات) مِمَّا ذكرنا الآن؛ فلذلك ذكر البُخَاريُّ ترجمة للاستماع، وترجمة للإنصات.
          قوله: (فَقَدْ لَغَا) (اللَّغْو) و(اللَّغا) السَّقَط وما لا يُعتَدُّ به مِن كلامٍ وغيره، ولا يُحصَل منه على فائدةٍ ولا نفعٍ، واللَّغو في الأَيمان: لا والله، وبلى والله، وقيل: معناه الإثم، ولغا في القول يلغُو ويَلْغَى لغوًا، ولَغِيَ لَغًا ومَلْغاة: أخطأ، ولغا يلغُو لَغْوًا: تكلَّم، ذكره ابن سِيدَه، وفي «الجامع»: «اللغو» الباطل، تقول: لغِيْت ألغَى لَغْيًا ولَغًى بمعنًى، ولغا الطائر يلغُو لَغْوًا؛ إذا صوَّت، وفي «التهذيب»: لغوتُ ألغو وألغي، ولغِيَ، ثلاث لغاتٍ، و«اللَّغو» كلُّ ما لا يجوز، وقال الأخفش: «اللَّغو» الساقط مِنَ القول، وقيل: الميلُ عنِ الصواب، وقال النَّضر بن شُمَيْل: معنى «لغوتَ» خِبْتَ مِن الأجر، وقيل: بَطَلَتْ فضيلةُ جُمعَتِك، وقيل: صارت جمعتُك ظُهرًا، وقيل: تكلَّمتَ بما لا ينبغي.
          (ص) وَقَالَ سَلْمَانُ ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم : «يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ».
          (ش) هذا التعليقُ قطعةٌ مِن حديث سلمان الذي أخرجه في (باب الدَّهنِ للجمعة) وفي (باب لا يُفرَّق بين اثنينِ يومَ الجمعة).