عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب يستقبل الإمام القوم واستقبال الناس الإمام إذا خطب
  
              

          ░28▒ (ص) بَابُ اسْتِقْبَالِ النَّاسِ الإمَامَ إذا خَطَبَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ استقبالِ النَّاسِ الإمامَ.
          و(الاسْتِقْبَالُ) مصدرٌ مضافٌ إلى فاعلِه، و(الإِمَامَ) بالنصب مفعولُه، وفي رواية كريمةَ: <باب: يستقبل الإمامُ القومَ، واستقبال الناس الإمامَ إذا خطب>.
          (ص) وَاسْتَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ الإِمَامَ.
          (ش) مطابقته للترجمة ظاهرة.
          أَمَّا أثرُ عبدِ الله (ابْن عُمَرَ) فأخرجَه البَيْهَقيُّ مِن طريق الوليد بن مسلم قالَ: ذكرتُ لِلَّيثِ بن سعدٍ، فأخبرني عن ابنِ عَجْلَانَ عن نافع: أنَّ ابنَ عمر كان يفرغ مِن سُبْحَتِه يومَ الجمعة قبل خروجِ الإمام، فإذا خرجَ لم يقعدِ الإمامُ حَتَّى يستقبلَه.
          وأَمَّا أثر (أَنَسِ) ابنِ مالك؛ فأخرجه ابنُ أبي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عبد الصَّمد عن المُسْتَمِرِّ بنِ رَيَّان قال: رأيت أنسًا إذا أخذَ الإمامُ / يومَ الجمعة في الخطبة يستقبلُه بوجهه حَتَّى يفرغَ الإمام من خطبتِه، ورواه ابنُ المُنذِرِ مِن وجهٍ آخرَ عَن أنس: أنَّهُ جاءَ يوم الجمعة، فاستند إلى الحائط واستقبلَ الإمام، قال ابنُ المُنْذِرِ: ولا أعلم في ذلك خلافًا بين العلماء، وحكى غيرُه عن سعيد بن المُسَيَِّبِ: أنَّهُ كان لا يستقبل هشامَ بنَ إسماعيل إذا خطب، فوكَّل به هشامٌ شُرَطيًّا يُعطِّفُه إليه، وهشامٌ هذا هو هشامُ بنُ إسماعيلَ بنِ الوليد بن المغيرة المَخْزُومِيُّ، كان واليًا بالمدينة، وهو الذي ضرب سعيدَ بنَ المُسَيَِّبِ أفضلَ التَّابِعينَ بالسِّياط، فويلٌ له مِن ذلك، وفي «المغني»: روي عن الحسن أنَّهُ استقبلَ القبلةَ، ولم ينحرف إلى الإمام، وروى التِّرْمِذيُّ عن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صلعم إذا استوى على المنبر؛ استقبلناه بوجوهنا، وفي إسناده مُحَمَّد بن الفضل، وقال التِّرْمِذيُّ: هو ضعيفٌ ذاهبُ الحديثِ عند أصحابنا، والعمل على هذا عند أهل العلم مِن أصحاب النَّبِيِّ صلعم ، وغيرهم يستحبُّون استقبالَ الإمامِ إذا خطَبَ، وهو قولُ سفيانَ الثَّوْريِّ والشَّافِعِيِّ وأحمدَ وإسحاقَ، ولا يصحُّ في هذا الباب عن النَّبِيِّ صلعم شيءٌ، وروى ابنُ ماجه عن عَدِيِّ بن ثابتٍ عن أبيه: «كان النَّبِيُّ صلعم إذا قام على المنبرِ استقبله الناس»، وفي «سُنَنِ الأثرم» عَن مطيعٍ أبي يحيى المزنيِّ، عن أبيه، عن جدِّه قال: «كانَ رسولُ الله صلعم إذا قام على المِنْبَرِ أقبلنا بوجوهنا إليه»، وقال ابن أبي شَيْبَةَ: أخبرنا هُشَيمٌ: أخبرنا عبد الحَمِيد بنِ جعفرٍ الأنصاريُّ بإسنادٍ لا أحفظه، قال: «كانوا يجيئُون يومَ الجمعة يجلسونَ حولَ المنبرِ، ثُمَّ يُقبِلون على النَّبِيِّ صلعم بوجوههم»، وفي «المبسوط»: كانَ أبو حنيفة إذا فرغ المؤذِّنُ مِن أذانه أدارَ وجهضه إلى الإمام، وهو قولُ شُرَيحٍ وطاووسٍ ومجاهدٍ وسالمٍ والقاسم وزاذانَ وعمرَ بن عبد العزيز وعطاءٍ، وبه قال مالكٌ والأوزاعيُّ والثَّوْريُّ وسعيد بن عبد العزيز وابنُ جابر ويزيدُ بن أبي مريم والشَّافِعِيُّ وأحمدُ وإسحاقُ، قال ابنُ المُنذِر: وهذا كالإجماعِ.